الأحد، 19 ديسمبر 2010

الليبرالية الموشومة


كان الدكتور عبد الله الغذامي جريئا وقاسيا في محاضرته التي ألقاها الإثنين الماضي في جامعة الملك سعود تحت عنوان "الليبرالية الموشومة". المحاضرة تم بثها بشكل مباشر عن طريق موقع الجامعة على الإنترنت، وبالتالي تهيأت متابعتها لكثيرين ـ أنا منهم ـ ممن لم تتح لهم فرصة الذهاب إلى الجامعة لهذا الغرض.
الدكتور عبد الله الغذامي الذي اعتبر أن أهم قوانين الليبرالية حرية الرأي وحرية التعبير يجزم أن كثيرين لا يعون هذه المسألة، فالليبرالية تبدو شديدة التشوه في العالم العربي. وهي جلباب يلبسه من لا يستطيع أن يكون حداثيا أو إسلاميا، باعتبار أن مصطلحها غير الواضح يجعلها مسمى يتخذه من لا يجد مسمى آخر يناسبه. المحاضرة تضمنت استعراضا للصورة الذهنية لليبرالية في المخيلة الاجتماعية. وهي صورة تبدو مغايرة للمصطلح، إذ إن العرض الذي وضعه عبد الرحمن الوابلي لها من خلال حلقة طاش ما طاش ـ على سبيل المثال ـ لم يكن دقيقا ولا يعكس ما يتضمنه المصطلح من مفاهيم وأفكار، وإنما يقدم نظرة المجتمع لها. المحاضر أصر على اعتبار أن المجتمعات العربية ومن بينها مجتمعنا تخلو من خطاب ليبرالي حقيقي.
من المؤكد أن صوت جامعة الملك سعود، وهو يمتد عبر فضاء الإنترنت بشكل مباشر، أمر يستحق التنويه. ولا شك أن الغذامي المثير للجدل بشكل مستمر سوف يجد أمامه في الفترة القادمة سلسلة من النقاشات سواء مع بعض من أشار إليهم في المحاضرة مثل الدكتور تركي الحمد، أو ممن عرض لمواقفهم من أولئك الذين لبسوا جلباب الليبرالية باعتبارها موضة. الشيء اللافت أن المداخلات الرجالية والنسائية أضافت مزيدا من الألق والتميز على المحاضرة، إذ جاءت غالبيتها في ذات الموضوع ولم تخرج عنه إلى دوائر أخرى كما يحدث أحيانا في محاضرات شبيهة.

خصوم الغذامي



واجه الغذامي إثر محاضرته في جامعة الملك سعود تحت عنوان الليبرالية الموشومة، هجوما ممن يرون أن ما طرحه لا يعدو أن يكون انطباعات فقط. ورأى البعض أن المحاضرة أعطت التيارات المخالفة فرصة للتشفي. وهذا الطرح يعكس ضحالة لدى من يؤمن به، إذ إنه يؤكد طروحات الغذامي ولا ينفيها. فالقناعات التي لا تتمتع بالحصانة من داخلها لا يمكن أن تحمي نفسها.
يبدو أن مشكلة الأيديلوجيات العربية لا تتعلق بالقناعات التي تتكئ عليها، بقدر ما تتعلق بكيفية التعاطي مع هذه الأيديلوجيات. وكثير من المتحزبين، يصبغون هذا التحزب بالصبغة الشخصية التي تجعل الفكرة تصبح كائنا حيا يتحرك بها شخص فتتكيف هذه الفكرة حسب هيئته وشكله وقناعاته، فيصيبها ما يصيبه من سمنة وضعف ... إلخ.
هذا النموذج نراه على هيئة ممارسات يومية، إذ لا يمكن على سبيل المثال أن تتقبل عقلا ومنطقا من شخص متدين تجاوزا للأنظمة والقوانين المرورية مثلا، ومع ذلك فالواقع يقول إن هذا يحدث، ولا يردع هذا الشخص عن هذه الممارسات لا قناعاته ولا هيئته.
هي نماذج بسيطة من المهم استحضارها كي ندرك أن هناك بون شاسع بين النظرية والممارسة. ويمكن أن نخضع كل التوجهات لهذا المعيار. المثقف الذي يؤمن بالحوار والديموقراطية ولا يكف عن الحديث عنها، ثم يخالفها في بيته وفي مقر عمله وفي الشارع، لا يمكن أن نسميه مثقفا. هو خارج التصنيف، قد يكون رأسه ممتلئا بالمعرفة لكنه فارغ من المحتوى الذي يجعله يكيف هذه المعرفة بشكل منطقي بحيث تغدو ممارسة.
رأيي أن الغذامي في محاضرته حول الليبرالية لم يجانب الصواب، إذ إنه أعطى نماذج من الواقع، وترك للآخرين إما إقصاؤه ـ وهم بذلك يناقضون جوهر الخلاف الذي لا يفسد الود ـ أو القبول بالحقيقة ومحاولة معالجتها.

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

لا طوارئ دون محرم



إن صح ما يقال عن امتناع جهات مثل الدفاع المدني عن مساعدة امرأة قام طفلها من ذوي الاحتياجات الخاصة بإغلاق الباب على نفسه، بحجة أنه لا يوجد محرم في البيت أمر يحتاج إلى حل. لا يمكن أبدا أن يكون غياب المحرم لأي سبب ـــ الحج مثلا ـــ مانعا لمثل هذه الجهات من تقديم المساعدة.
لا لوم على هذه الجهات طالما أن لديها قرارا يمنعها من ذلك. لكن مثل هذا النظام يحتاج إلى إلغاء سريع، لأنه لا يستقيم مع المنطق.
من المؤكد أن تحرير هذه الأنظمة جاء لأهداف نبيلة وفاضلة، لكن الأمر فعلا لا يتسق مع الحاجات الأكبر والأسمى، فوجود شخص يحتاج إلى مساعدة في منزل لا يوجد فيه محرم لا يمكن أن يكون مانعا من تقديم المساعدة.
إن الخدمات التي تقدمها هذه الجهات لا تختلف عن أي خدمات تتلقاها المنازل من جهات تعمل في القطاع الخاص وتعتمد على خدمة التوصيل المنزلي. لكنها تتفوق عليها في أن من يطلب خدماتها يطلبها لأنه يحتاج إليها بشدة. فالمسألة لا تتعلق بالحصول على وجبة من مطعم عن طريق التوصيل المنزلي، بل إنها تتعلق بقضية مصيرية. وعندما تتصل سيدة لطلب شيء معين لتوصيله إلى المنزل لا يسألها الشخص الذي على الطرف الآخر: هل يوجد محرم في المنزل أم لا؟ ثم يعتذر لها بلطف أنه لا يستطيع خدمتها لأنه لا يوجد محرم. والأولى أن لا تعتذر أي جهة عن مساعدة سيدة بعذر أنه لا يوجد لديها محرم في المنزل.

السبت، 20 نوفمبر 2010

أحجار القمر تنسج لغة الحلم في الرياض وتتألق شبابًا


أحجار القمر تنسج لغة الحلم في الرياض وتتألق شبابًا
العاصمة التي يعشقها من يفك رموزها.
بدا الأمر أقرب إلى اللقاء الحلم بين شخصين، أعادا تشكيل علاقتهما مع مدينة، نسجاها من أحجار قمرية مضيئة، فتحولت إلى بدر يتغلغل عشقه في النفس، حتى إذا مضيت أو نأيت، اكتشفت أنك تشتاق إليها.
الرياض: خالد السهيل
suhail@srpc.com
تصوير: هشام نصر شما
الرياض مدينة الأبيض والأسود، لا تعرف الحياد، هي مثل طقسها غير المحايد، البارد شتاء والحار صيفًا. بعضهم قد يشعر عند زيارته لها في الوهلة الأولى ببعض الغربة، لكنه إن أتقن قراءة رموزها لا يملك إلا أن يعشقها. وهذا ما يؤكده صديق فلسطيني يمم صوب كندا بعد سنوات طويلة من السكنى في الرياض، لكنه لا يزال يعود إلى الرياض من حين إلى آخر.
تتكئ الرياض على إرث ضارب في عمق التاريخ، لكن يندر أن تجد من يتذكر هذا، فحضور الرياض الطاغي لا يحتاج، برأيهم، إلى أن تفتش في زوايا التاريخ، ولا أن تسائل التخوم عن شخوص خطواتها تعطي صدى الزمن الذي عاصرته وتعيد صوغ حكايته.

رقة الرياض.. رمزها الخفي
لعل الأغنية التي صدح بها الفنان محمد عبده، منذ سنوات، ويتحدث من خلالها عن رقة الرياض وعذوبتها، حاولت أن تعكس جزءًا من شاعرية المدينة التي تخفيها زحمة المكان الذي يحتضن نحو خمسة ملايين إنسان، 40% من سكان الرياض لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة. هذا يجعل حيوية الرياض تستمر نهارًا وليلاً. ولهذا السبب تجد رواجًا أكبر للمحال التي تتوجه إلى هذه الشريحة مثل محال الكوفي شوب التي تنتشر في مختلف الأحياء حاملة أسماء عالمية ومحلية.
وأصبحت تلك المقاهي بديلاً للجلسات المنزلية الرتيبة، وبدأت هذه الممارسة العصرية تحل محل أسلوب الأجيال السابقة الذين يرون أن واجب الضيافة الحقيقية لا يتم إلا داخل المنزل. لكن فكرة الزيارة للمنزل في عرف الشباب تبدو غير ضرورية، إذ إن اللقاء في الكوفي شوب أجدى، بل إن جولة بالسيارة في شارع العليا أو شارع التحلية أو التوجه إلى الفيصلية أو المملكة أو أي من المولات التي تمتد في مختلف الاتجاهات في الرياض، تمثل خيارًا أنسب لأبناء الرياض وبناتها وزوارها أيضًا، وهناك من يلوذ بالأرصفة المخصصة للمشاة، وهو سلوك أصبح شائعًا في الرياض، وقامت أمانة المدينة بتشجيعه بإعادة صياغة كثير من الشوارع بشكل يجعل هذه الشوارع صديقة للمشاة.
وبالعودة إلى التوأمة بين الكلمة واللحن التي أعادت تشكيل صورة الرياض، أضاء الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن والفنان محمد عبده، مساحة مغمورة بالحب، وعكسا صورة من صور التعلق والوله، هذا التعلق تحول إلى غواية، تتملكك منذ اللحظة الأولى، حين يتهادى اللحن مثل شلال يعرف مساراته، فيمهد في الإطلالة الأولى للكلمة:
في الليالي الوضح
والعتيم الصبح
لاح لي وجه الرياض
في مرايا السحب
كفّها فلة جديلة من حروف
وقصة الحنا طويلة.. فـي الكفوف
هكذا هي إذًا الرياض في لغة عاشق وفي لحن عاشق آخر وصوته، عذوبة كلمة في عذوبة لحن في عذوبة غناء. وفي حضور الرياض تستمر ثنائية العشق حتى تصل إلى ذروتها حين يقول:
آه.. ما أرق «الرياض» تالي الليل
أنا لو أبي
خذتها بيدها ومشينا
إتقان حب الرياض، والتعلق بها، يحتاج إلى عاشق عارف، مثلما هو حال الشاعر العذب بدر بن عبدالمحسن، الذي أعاد رصف الطريق من أجل كتابة قصيدة جديدة لها إيقاعها الخاص الذي حاول كثيرون تقليده، ويبدو أنه حتى هذه اللحظة لم ينجح أحد في محاكاته.
من كندا.. ما زلت في الرياض
«إنها الرياض»، هكذا يغمغم الرجل الذي كان يجلس في بهو فندق الفيصلية. يضيف: تعرف أنني كنت أعيش في الرياض، غادرتها مهاجرًا صوب كندا، ولكنني أعود إليها لأنني أشعر بأن أجزاء مني تلتصق بهذا المكان ولا تريد أن تلحق بي إلى مكان هجرتي.
هنا ذكريات طفولتي، أصدقائي، وبيتنا العتيق الذي اختاره والدي كي نلوذ به بعد أن خرجنا من فلسطين ذات لجوء، واختارتنا الرياض لتكون محطتنا الحنونة، نسيت أنني من هناك، لم أنتبه لمثل هذه التفاصيل، كان يقيني أننا من هنا.. «إنها الرياض!» يقذف بالعبارة بحب.
خرج صاحبي مغادرًا الرياض، لكنه لا يزال يحملها معه، وهو وإن كان قد حمل الجواز الكندي، إلا أنه يؤوب دومًا إلى الرياض، يهاتفني: هييه، نلتقي في الفندق أو في الكوفي شوب؟ يجلس يتحدث عن تفاصيل المدينة وكأنه لم يغادرها أبدًا.
ذات يوم، كان يقول: مثلما يجلب رائد الفضاء أحجارًا قمرية، وتتحول مع الزمن إلى مقتنيات غالية، تضع قصيدة البدر مدخلاً مهمًا، خصوصًا لأولئك الذين لم يزوروا الرياض من قبل، أو زاروها لمامًا ولكنهم لم يتمكنوا من الدخول في تفاصيلها.
نعم، إنه يستحضر دومًا أغنية «ما أرقك يا الرياض» ويدندن بها، وقد تلمح خلف نظارته لمعة ماء مالح!
حسنًا، ما الذي قلته هنا؟
هل كانت كتابة عن الرياض أو للرياض؟ أم أنها كتابة عن مهندس الأغنية بدر؟ أم أنها عن محمد عبده؟
أظنها أرادت كل ذلك، ولكنها لم تقل شيئًا عن أي شيء.
لا تنسوا أن تبتسموا وأنتم تزورون الرياض، فثمة أكثر من لمحة فريدة لن تجدوها في غير الرياض، وأبرزها بذرة نشاط مسرحي يمتد لأشهر طويلة من العام، خصوصًا في أوقات الإجازات والأعياد، وهو فعل عصري تتفرد به الرياض بين كل المدن السعودية.




الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

أسعد الناس


أسعدُ الناس إنسانٌ ترجَّل عن جواده، فأكثر الناس من الثناء والترحم عليه، فالناس شهود الله في أرضه. غاب الدكتور محمد عبده يماني ـــ يرحمه الله، وقبل غيابه بساعات، تناقل الناس خبر نقله إلى المستشفى، وهم يلهجون بالدعاء أن يكلأه المولى بالصحة، لكن لكل أجل كتاب. وهذا حال الدنيا. وداع يتلوه وداع. ورب مودع اليوم لآخر، تلقاه في الغد محمولا في رحلة وداع سوف يشارك فيها محمولا بدلا من مسيره بالأمس على قدميه.
غياب محمد عبده يماني يأتي حاملا في ثناياه عبرة الأيام، فالأجيال تتلاحق في مسيرة لا تتوقف. والعبرة في الأثر والبصمة التي يتركها المرء قبل أن يترجل من على صهوة هذه الحياة.
كان محمد عبده يماني ـــ يرحمه الله ـــ نموذجا من نماذج العطاء، أخلص لربه، ثم لقادته ووطنه. حمل في ثنايا قلبه إنسانية كبيرة، وكانت أفكاره تمثل ينبوعا يثري من خلاله النفوس بعطاء لا يتوقف. عرفته أمته وزيرا للإعلام، ومفكرا وقاصا جميلا. وفوق هذا وذاك عرفته رجلا من رجالات الخير والعطاء.
كانت مجموعته القصصية "مشرد بلا خطيئة" من الكتابات المميزة، التي نقل من خلالها صورتين للتشرد، الصورة الأولى تشرد الفلسطيني عن أرضه، والصورة الأخرى هي صورة التشرد الناتج عن الافتقاد إلى الهوية كما في شخصية "مولوي".
عكست تجربة الدكتور محمد عبده يماني بعد الوزارة ثراء نادرا، فغيابه عن المنصب لم يجعله يعتزل الحياة العامة. بدا وكأنه تفرغ بعد الوزارة لإثراء الحياة العامة والعطاء المستمر. إنه نموذج مميز ينبغي أن يستحضره كل من تقاعد من عمله. رحم الله الدكتور محمد عبده يماني وأسكنه فسيح جناته.

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

غرسة حب

قال لي : ازرعوا الحب حيثما تكونون
لا تنتظروا مكافأة على ذلك
اجعلوا هذا الحب ينتشر بين الجميع
لا تتوقعوا من الآخرين أن يقابلوكم بالحب. لا تنتظروا مقابل فعلكم حبا مشابها. بعض النفوس تحتاج وقتا أطول كي تتعلم الحب.
... يتابع الصوت الآتي من بعيد: المحبة علاج له مفعول مختلف.

أحقيتنا أن نكون كما نريد




أن نكون كما نريد، دون استلاب، ولا قسر، ولا فرض يستهدف كسر الأنوف. هذه مسألة تسبق أي شيء آخر. حق المرء في الاختيار، حق المجتمع، وحق الأمة... هي سلسلة متصلة تتقاطع مع الطروحات الممتزجة بصلف الأمة الغالبة التي تطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير.
لنا كأمة ذات تراث حضاري أن نقول نعم لما نراه موافقا لنا، وأن نقول لا لما نجزم أنه يخلط الأوراق ويجعل القاتل والضحية صنو ين، يفرض أن يندغما وينسجما ويقبلا بالأمر الواقع. هنا تتحول إسرائيل في عصرها المهيمن، إلى حارس من حراس القيم والمبادئ، في الوقت الذي تضع فيه لائحة اغتيالات طويلة تشمل كل من يقول لا للهيمنة التي تتسلل تحت الجلد والعظم. إنه قانونها الخاص. وهو قانون مرن، ينفي عنها صفة الإرهاب، فيما يتم توزيعه على الآخرين بالمجان!
إن الإشكالية التي تثيرها القضايا الآنية المتلاحقة، لا يمكن تلخيصها من خلال مناقشة لمشروع، إذ هي تستهدف أن يكون هناك انقياد بالطاعة، من الحكومات والشعوب، دون أن يكون لثقافة الزمان والمكان أي دور. بل دون أن يكون للعقل أحيانا أي فعل. المطلوب فقط هو الالتزام بالأجندة المطروحة بشكل طوعي، مع التلويح بتطبيقها بشكل آخر إن لزم الأمر.
هذه المسألة، جعلت العقل العربي يشهد نوعا من الانقسام، البعض اعتلى الموجة باختياره باعتباره حرا، والبعض قرر أن يركب الموجة باعتباره يريد أن يبدو متحررا، فيما بقيت فئة ترقب المشهد، تتأمله، تقرأه، وتحاول أن تخرج من خلاله بصورة محايدة. وهناك فئة أعلنت الرفض دون أي تفكير.
موقف المثقف من الأزمة، يعكس كيف أن سياقنا الذي تشوه كثيرا، أفضى ببعض المثقفين إلى اعتمار قبعة الغالب، والمزايدة في السوبر ماركت الكبير الذي لا يتم من خلاله استعراض كل البضائع، بقدر ما يجري تسويق ما يتوافق مع موجة تتخذ زاوية عوراء في التفاعل مع الكرة الأرضية وإشكلاتها، فتبتسرها وتضغطها حتى تتحول إلى رقعة صغيرة يجري العمل على تفصيلها وفق مقاييس موحدة.
ينبغي هنا التوضيح، أن القناعات هي ملك لكل إنسان، لكن ثمة خيط دقيق يفصل بين هذه القناعات وتقاطعها مع مسائل ترتبط بالأرض التي يسكن عليها والسياق الثقافي والاجتماعي السائد...الخ. وأي محاولة لخرق هذه النماذج، سعيا للإلغاء والمصادرة، يرقى أحيانا إلى حد الخيانة. إذ أن هناك فارق بين نقد الذات بهدف الإصلاح، ونحر الذات من أجل أن تسود وتستحوذ فكرة وافدة، ربما لم يتم تهذيبها وتكييفها لتصبح صالحة للاستهلاك المحلي على مستوى المنطقة.
لكن من ذا الذي يجروء على الزعم حتى أن النسق المطروح للتغيير يمكنه أن يصل إلى نهاية واضحة وحقيقية وملموسة؟
إن أجندة تغييرالشرق الأوسط ، تستهدف أن يكون الإنسان، أليفا وحليفا، وأن يكون مرنا وقابلا لاستيعاب سلسلة من المسلمات ـ المفترضة ـ التي لا تدخل في منظومة المتعارف عليه. المسألة لا تكتفي بذلك بل تتطلب تأهيل من يخرج عن النص، وتهيئته حتى يكون إنسانا لائقا بالحضارة الجديدة!
هذه المخاوف تتعزز من خلال مراقبة الأصوات الصادرة من الضفة الأخرى. إذ أن هذه الأصوات لا تكتفي بما تفرضه الأطر العامة المتعارف عليها عبر المنظمات والمؤسسات الدولية. بل تدخل إلى المكون الثقافي والتاريخي. وتفترض أن الإشكال الأساسي فيهما، في محاولة لعزل عناصر أخرى أكثر وضوحا، مثل حالة الفقر التي خلفها الاستعمار، والأوضاع المتفجرة التي أفرزتها عملية رسم الحدود، والعنصر الصهيوني الذي تم زرعه وسط النسيج المكون للمجتمعات الشرق أوسطية...إلى آخر قائمة العذابات التي يدفع الناس ثمنها دون أي ذنب. بعد كل هذا، يتم القفز على الفصول، ويتحول التغيير إلى استهداف وتحريض.
إن بناء المجتمع المدني، لا يفترض أبدا أن تتحول الممارسات الثقافية وحتى النسق الاجتماعي إلى مسخ. ليس من الضروري أن ننساق وراء دعوات تكسير القواعد التي تمثل مصدر ثراء لنا. حتى إن لم يجد فيها الآخر ما يثير شهيته كي يدرجها ضمن المكتسبات الحضارية للمجتمع المدني. إن قابلية بعض المثقفين لدينا على أخذ كل ما يأتي من الضفة الأخرى بتسليم، سوف يجعلهم يصلون ذات حين، إلى مأزق خطير خاصة إذا ما تم تطوير آلية المطالبات الصهيونية ـ على سبيل المثال ـ التي تستهدف تنقية القرآن الكريم من كل إشارة تكشف بعض الممارسات غير السوية لأسلافهم. هنا سيجد هذا المثقف نفسه أمام مأزق خطير. إذ أنه في المرات السابقة، كان كمن يخلع بعض ملابسه، لكنه بعد أن يتخلص من كل قطعة، سيجد نفسه يتهيأ لمرارة سلخ الجلد وما تحته، ولن يستطيع.



مقال قديم نشر لي في صفحة الرأي في جريدة الاقتصادية في 29/3/2004

بكاء تحت المطر


في كتاب "الحب عند العرب" لأحمد تيمور، وهو من إصدارات دار المعارف في سوسة في تونس، يورد المؤلف هذه الحكاية. يقول: "أخبرنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، قال: سألت أبو الفضل الرياشي عن معنى قول الشاعر:

الريح تبكي شجوها
والقلب يلمع في الغمامة

فقال: هو عندي كقولهم: ويلي للشجي من الخلي. ومعناه: إن البرق يضحك والسماء تبكي".
كتب شعراء كثيرون على السياق نفسه، فالشاعر عبد الوهاب البياتي في قصيدته "أولد وأحترق بحبي" يقول في رثاء يارا: أستنجد بالحرس الليلي لأوقف في ذاكرتي هذا الحبّ المفترس الأعمى, هذا النور الأسود, محموما أبكي تحت المطر".
وفي المعنى نفسه تجد أن الفكرة تسللت حتى إلى الغناء الحديث،.. فتجد أغنية أجنبية ـ لا أتذكر تفاصيلها الآن مع الأسف ـ تشير إلى البكاء تحت المطر "كي لا يراني الناس وأنا أبكي".
لم نعد نلتقط مثل هذه المعاني في إبداعاتنا وفنوننا الحديثة. وتمضي الأغنيات المعاصرة في تكريس الساقط من الكلمات، والساذج من العبارات، في حين تتوارى الكلمات المحلقة التي كنا نسمعها بأصوات الأجيال السابقة أمثال محمد عبده وفيروز وطلال مداح وأم كلثوم. وصار من النادر أن تسمع أغنية تشبه "شتي يا دنيي" لفيروز أو "البرواز" لمحمد عبده أو "أغراب" لطلال مداح، أو حتى "المسافر راح" لراشد الماجد.
غابت هذه المعاني وساد بيننا عصر شعبان عبد الرحيم وهيفاء وهبي، ولا أريد أن أستثني بعض فناني الخليج، ولكنني لن أسمي أحدا.

مكابدة الألم



''لا يؤلم الجرح إلا من به ألم''. هذه حقيقة يسهل استيعابها. إذ لا تتوقع أن يتألم الآخر بالنيابة عنك. قد يتعاطف مع هذا الألم. لكنه لا يستطيع أن يجاري صاحب الهم في همه.
وحال المرأة لدينا مع التوظيف تبدو كذلك. صحيح أن الكل يتحدث عن توظيفها. ووزارة العمل تؤكد أن نسب البطالة بين النساء مرتفعة. لكن الحركة البطيئة في عملية معالجة المشكلة، يصيبها أحيانا تعثر، لأسباب من خارج بيئات العمل. والأمر أصلا لا يحتاج إلى مثل هذا المحفز، كي تتعثر عمليات استيعاب النساء في قطاعات الأعمال.
لقد ظلت المرأة لسنوات طويلة أسيرة فكرة العمل في قطاع التربية والتعليم. ولكن القطاع رغم حجمه الكبير لا يمكن أن يتجاوب مع مطالب ورغبات جميع الراغبات في العمل.
بادر القطاع الخاص إلى محاولة استيعاب المزيد من النساء. وكانت خطوة استقطاب حاملات الشهادة الثانوية من أجل تقديم الخدمات للأسر في المحال التجارية آخر ما شهدناه، وكان المجتمع يعول عليها من أجل استيعاب ما لا يقل عن 20 ألف فتاة سيسهمن في تخفيف نسب البطالة وتقليص أعداد العمالة الوافدة.
حاليا يتعرض المشروع بأكمله للتعطل، وبعض المنشآت التي بادرت بتشجيع هذه الخطوة قررت التراجع. المشكلة أن الحديث عن أي بدائل لتوظيف المرأة تبقى مجرد أحلام وأمنيات. عمل المرأة لم يعد ترفا. إنه حاجة وضرورة يتطلبها واقع الحياة المعاصرة. يكفي أن نعلم أن الراتب المحدود الذي لا يتجاوز 1500 ريال شهريا في المدارس الخاصة، يمثل للكثيرات طوق النجاة، الذي يحميهن من كل سوء.

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

غازي القصيبي ... إبداع ضد النسيان

(( هذا الموضوع طلبه مني الزملاء في مجلة أهلا وسهلا الصادرة عن الخطوط السعودية، وبالفعل تم نشره في عدد شهر سبتمبر 2010))

غازي القصيبي..إبداع ضد النسيانأفكاره المحلقة، وأشعاره المبدعة، وكتاباته المنثورة، أشاعت لغة فارهة، كانت محط نظر المعجبين والخصوم.صورة مرسلةفي الرواية الأخيرة، التي صدرت للدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي عن دار بيسان، وتحمل اسم «الزهايمر»، يلوح في ثناياها، عبء النسيان الذي يداهم الذاكرة في فترة الشيخوخة، فتغيب التفاصيل.
الرياض: خالد السهيل
هذه الضبابية التي يدلف من خلالها بعض الناس في أواخر العمر، أحالها الأديب والمفكر والشاعر والوزير غازي القصيبي، إلى بوابة يخاتل من خلالها ذلك البياض الذي يبدو كستارة تمتص الصور والحكايا، فلا يبقى سوى بقع محدودة تظهر لتتوارى.
ذاك الوميض الذي يبدو ضئيلاً، يلتقطه القصيبي ليشغل من خلاله نسيج رواية نادرة، يقدم عبرها رؤاه وحكايته في سلسلة رسائل يكتبها لزوجته، لتغدو تلك الرسائل في مجملها قصة حب لا تطفئها برودة الزهايمر، بل تعطيها دفئًا.
كان من المقدر أن تصل هذه الرسائل إلى زوجته في أعقاب وفاته. هذا النسيج الذي يطفو ليغيب، يعبر عنه الكاتب مؤكدًا أنه «بلا ذاكرة لا يوجد سوى الفراغ.. فراغ الموت». ذلك أن العقل يغدو إثر الإصابة بالزهايمر «عقل حبة طماطم أو كوسة أو بامية».
لم يكن القصيبي يعاني النسيان. كان يبدو ضد النسيان، وضد اليأس، وضد الخوف، وضد المواربة في طرح أفكاره ورؤاه.. هذا الأمر وضعه في عين العاصفة منذ بداياته الأولى.
أفكاره المحلقة، وأشعاره المبدعة، وكتاباته المنثورة، أشاعت لغة فارهة، كانت محط نظر المعجبين والخصوم. لكن الشيء الذي اتفق عليه كل خصومه، أنه كان فارسًا نبيلاً في خصومته، لهذا السبب قرأنا في أعقاب وفاته شهادات ممن كانوا على خصومة معه، تؤكد فروسيته ونبله، وقابليته لأن يجعل خلافه الفكري يعني استمرار الحوار، فهو أيضًا ضد القطيعة مع من يختلف معه.
الذين يحاولون مجاراة غازي القصيبي في ذاكرته، سيتذكرون صولاته وجولاته، وكتاباته في الصحف المحلية، ودأبه على النشر شعرًا ونثرًا، حتى أصبحت تلك الصفة أمرًا لافتًا. فالرجل كان منشغلاً بكَمٍّ كبير من المسؤوليات والأعباء. ولكنه كان حاضرًا من خلال كتبه في المشهد الثقافي بشكل لافت. وبقي حتى في أيام مرضه، يمسك بالقلم ليخط إبداعاته الشعرية والنثرية. لهذا السبب لم يستغرب أحد أن تأتي «الزهايمر» التي كان يراجع مسودتها وهو على فراش المرض.. بل إنه أعاد المسودة إلى الناشر عقب مراجعته لها قبل وفاته بأيام قليلة.
علاقة غازي القصيبي بالسنوات وبالموت علاقة لصيقة، ولم يكن يكتنف هذه العلاقة فوبيا الرحيل والغياب. الموت حقيقة، وإيقاع السنوات حقيقة أخرى.. وهو في كلتا الحالتين أبدع في تجسيدهما.
كان القصيبي يعيد صياغة إيقاع السنين شعرًا، هو مثلاً عن الأربعين يقول:
مالت على الشعرات البيض تقطفها
يارا، وتضحك: لا أرضى لك الكبرا
يا دميتي هبك طاردت المشيب هنا
فما احتيالك في الشيب الذي استترا
هذا الإيقاع نراه يتواصل، وقد لفتتني قصيدته التي نشرتها جريدة الجزيرة في 22/5/2005 تحت عنوان: «حديقة الغروب»، وكتبت عنها في ملحق الأربعاء في جريدة المدينة. قلت في ثنايا تلك الكتابة إن غازي بدا مثقلاً بعبء السنين وهموم الواجبات. كانت تلك القصيدة تخاتل فترة الستين بكل ما فيها:
خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِصورة مرسلة
أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟

وكما أن السنوات وإيقاعها ترافق القصيبي، تلمح أيضًا في الخلفية مشهد الموت الذي يتكرر من خلال أكثر من صورة. آخر مشاهد الموت، تقفز من خلال روايته الأخيرة «الزهايمر»، عندما تنتهي حياته، وتبقى رسائله التي يذيلها طبيبه في المستشفى برسالة إلى زوجته يبلغه فيها أن زوجها قد توفي إثر أزمة قلبية، ويضع بين يديها رزمة الرسائل التي طلب الزوج أن تتسلمها زوجته في أعقاب وفاته.
في ذات السياق كتب غازي القصيبي الكثير في الرثاء.. في هذا الأمر يظهر موقف الرجل من الموت. لم يكن القصيبي يهاب الموت، لكنه كان يتألم من الفقد، عندما يترجل أحد القريبين منه. ومن هنا شهدناه في مراثيه التي كان ينشرها في الصحف، تصوغه عبارات الفقد، فيتحول إلى إنسان مرهف الشعور، لا يجد حرجًا في إرسال دمعته.
لم يكن غازي القصيبي من أولئك الرجال الذين يجدون أن نزول الدمعة دليل ضعف. وهذا لعمرك قمة الصدق والتصالح مع النفس ومع الآخر.
والأمر ذاته بالنسبة إلى علاقته بالأنثى، حيث يتبدى في هذه العلاقة ذلك الوضوح، وتلك العاطفة التي لا يصوغها الكبرياء المغروس في صحراء الذات، وهو سلوك لصيق بمجتمعنا، فالمرأة زوجة وحبيبة، تبدو منفية بشكل أو بآخر في زاوية تملؤها العتمة. في إحدى ورقات «100 ورقة ورد» تسمعه يقول:

«تريدين أن تعرفي كم اشتقت إليك؟
سأحاول أن أصف يومي بدونك.
أصحو وأفتح الستائر، فتبدو الأشجار في الحديقة متعبة شاحبة تسألني: أينها؟».

ثم يختم ورقته السادسة، بعد أن يحلق بنا في كل عوالمه المحيطة به، الحمام، جريدة الصباح، المنزل، الوجوه، الكتب، المذياع، السرير، المخدة، الأحلام.. والتي تصوغ ذات السؤال: أينها؟ ليختمها ببوح راق وجميل:
«أيتها الغالية:
هل بدأت تعرفين كم أشتاق إليك؟»

لغة القصيبي الحميمية، لا يتقنها إلا القصيبي. لأنها تعكس جوهره الجواني. وتعكس ثقافته الثرية، التي تضعه في إطار إنساني شامل. ولهذا فأنت تتلاقى في قراءتك لميراث غازي القصيبي مع شخوص كثيرة من الماضي والحاضر.
وهو لا يجد الأمر يستحق النفاق أو السعي لعدم إظهار ما يمكن إبطانه. الأمر بالنسبة إليه موقف من الثقافة والحياة. ولهذا فأنت تجد المتنبي على سبيل المثال يظهر في تفاصيل كثيرة ومن خلال استشهادات متعددة حتى إنك ترى أبيات المتنبي تتصدر بعض رواياته. وفي المقابل تظهر الليدي ديانا التي يصوغ القصيبي صورتها بشكل مختلف ولافت، على أساس أن قصتها مع الأمير تشارلز ومن بعدها مع محمد الفايد أمثولة تستحق التأمل، خصوصًا مع النهاية المأساوية التي شهدتها القصة إثر حادثة النفق التي راح ضحيتها الليدي ديانا ومحمد الفايد.
كان غازي القصيبي الكاتب والمثقف والشاعر، يجعل من كل موضوع يخوض فيه، موضوعًا يستحق الاهتمام والمتابعة. ولك أن تمسك بين يديك أي رواية من رواياته أو دواوينه الشعرية أو كتاباته النثرية الأخرى، وحتمًا سوف تلمس تلك السهولة والليونة في الصياغة، وتلك الاحترافية في الكتابة.
والتشويق عند غازي القصيبي نهج ونسق تراه في «شقة الحرية» التي أثارت عند ظهورها جدلاً، مرورًا برواية «العصفورية» ورواية سبعة... وانتهاء بروايته الأخيرة «الزهايمر».
وهذا التشويق يكتنف أنماط الكتابة المختلفة. وهو لا يتخلى عن التشويق في كل حالاته إن كان من خلال كتابته للسيرة الذاتية، أو في دواوينه الشعرية.
ولا أظنني سأستغرب إن كشفت لنا الأيام المقبلة عن مذكرات كاملة لغازي القصيبي، يكمل من خلاله ما بدأه في حياة في الإدارة، خصوصًا أنه في الوزير المرافق وهو من إصداراته الأخيرة أيضًا، يعمد إلى نوع من المقاربة مع سلسلة من الشخوص التي التقاها الوزير القصيبي في عمله الحكومي خلال نحو 40 عامًا.





رابط الموضوع في مجلة أهلا وسهلا

http://pr.sv.net/aw/...usabi-Sept.html

...................

في الشرفة
هناك طيف يلوح
يناديني
أبي.. يا أبي
فأمد يدي
فـ... يغدو الطيف
سراب
والصوت...صدى

الكفاءات والسعودة


ينظر الأستاذ عيسى الحليان في مقالته في عكاظ الخميس الماضي بشكل إيجابي إلى قرار تعيين الخطوط السعودية للشحن المحدودة نائبا للرئيس للشؤون التجارية هو بيتر شولتن.
ويعتبر الحليان أن الانسياق وراء موضوع السعودة جعل بعض الأجهزة الحكومية تخسر كفاءات "كنا في أمس الحاجة إليها لتأصيل مفهوم البناء المؤسسي الذي كان ما يزال في طور التكوين".
أجزم أن هذا الطرح العاقل من الأستاذ الحليان، لا يتصادم أبدا مع أي رؤى وطموحات فيما يخص توطين الوظائف. فخطوط السعودة التي يتم بناؤها، تحتاج إلى أن تأخذ مساراتها في اتجاه أفقي. هناك كثير من الاستحقاقات التي يمكن من خلالها تحقيق السعودة، دونما إخلال بمسألة استيعاب واستقطاب الخبرات المتميزة. في هذا السياق ربما يكون نموذج جامعة كاوست من النماذج التي تؤسس لاستيراد الخبرة والمعرفة، وإعادة توطينها في المملكة.
إن وجود خبرات مميزة تسهم في إدارة بعض القطاعات ليس أمرا مستهجنا. المطلوب فقط ألا يقف البعض حجر عثرة في مسألة توطين المهن الأخرى التي يمكن أن تستوعب عددا كبيرا من طالبي الوظائف، وهم في الغالب ممن يحملون شهادات غير جامعية.
إن حيل مقاومة ومواجهة التوجه نحو توطين الوظائف لا تنتهي، ولهذا فنحن لا نزال نتحدث عن سعودة مكاتب السفر والسياحة، وسيارات الليموزين، والبقالات الصغيرة، ومحال الخضراوات. والوضع لا يعدو عن كونه تقدما لخطوة واحدة، ثم تراجع إلى المكان نفسه كما هو حال سعودة أسواق الخضراوات.

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

مراجعات النقيدان


كتابات منصور النقيدان في صحيفة الرياض تسجل جزءا مهما من تاريخنا الاجتماعي. وأقصد هنا مشكلات المجتمع مع الغلو والتطرف من الجهتين. وأساليب معالجة هذه المشكلات. وأهمية كتابات النقيدان أنها تعطي أنموذجا لشخص يتحدث عن فترة عاش فيها أقصى حالات الغلو، ثم بعد ذلك عاد إلى حالة من التوسط، وأخذ يحكي عن هذه التجربة، ويحاول أن يثريها بتأملاته لها بعد أن صار بعيدا عنها. وهذا الأمر نادر في مجتمعنا، إذ إن غالب من يعيشون تجارب ثرية، يحتفظون بخبراتهم عنها لأنفسهم، لكن منصور النقيدان ومعه مجموعة أخرى من الشباب بينهم مشاري الذايدي وناصر الحزيمي أعادوا صياغة تجربتهم وتقديمها للناس. ولعل منصور النقيدان أكثرهم إلحاحا ودأبا في مقاربة موضوعات التطرف والغلو، والجميل أن منصور لا ينظر إلى هذه الفترة بغضب، هو يكتب عنها كتابة المحب المشفق، لهذا تأتي الكتابة صادقة وقريبة من القلب، وأظن أن تأثيرها كبير للغاية، ومن المهم أن يتشارك كثيرون في تقديم شهاداتهم لأنها تمثل نقطة ضوء تساعد على تطويق التطرف