الخميس، 24 مارس 2011

هل توطين الوظائف فعل عنصري؟


يبدو أن السؤال الذي أطرحه هنا، له ثقل وإيقاع ينطوي على مناصرة ومعارضة من جانبين. وفي كل الأحوال، الحدس الإنساني والحس الوطني يحرك كثيرين للتهيب من الأمر أو التركيز عليه.
هناك واقع يتمثل في بطالة ضاغطة، تعيشها معظم البلدان العربية دون استثناء. هذا الواقع يسهم في إثراء تفاصيل الصورة التي تتسم بالقلق من التأثيرات السلبية لقوافل العاطلين عن العمل.
المسألة هنا تأخذ بعدا وطنيا وسياسيا، يجعل التفريط في الأمر، أو التهوين منه، يمثل مأزقا يدفع إلى نتائج وخيمة.
في الجانب الآخر، يقف أكثر من طرف، محذرين من الإفراط في الحماس، لأن الأمر ينطوي على فعل طارد للمستثمر الذي يريد عمالة رخيصة. وصاحب هذا الرأي يزعم أن العمالة الوطنية ـ في الخليج على الأقل ـ كلفتها أعلى من مثيلاتها الوافدة من الدول العربية أو بقية دول العالم.
وسط هذا الحوار، الذي يترقب قرارات التوطين، ويحاول تارة الحماس لها، وتارة الإلتفاف عليها، يأتي صوت آخر قد يكون خافتا نوعا ما.
هذا الصوت يتمثل في العاملين العرب الذين يعيشون في الخليج منذ عشرات السنين، ولم يتمكنوا من الحصول على حق المواطنة. وهم يجدون أن التوطين لا يراعي في تفاصيله مسألة أنهم عاشوا في المجتمعات الخليجية كل هذه السنوات، وشارك آباؤهم في صياغة وجه من وجوه التنمية الإنسانية في هذه البلدان.
أنا هنا سأتحدث عن الفلسطينيين كمثال.
الفلسطينيون يعشيون وضعا مختلفا في كل العالم العربي. إذ بموجب قرارات جامعة الدول العربية، ممنوع تجنيس الفلسطينيين. القرار عندما صدر في منتصف القرن الماضي، كان هدفه نبيلا للغاية، كان يريد أن يحفظ الفلسطينيين من الذوبان. لكن السنين أثبتت أن القرار كان جائرا على الإنسان.
 وقد سافر فلسطينون كثيرون إلى أوروبا وأمريكا واكتسبوا جنسيات هذه الدول، لأن الدول العربية كرست من خلال هذا القرار مبدأ إهانتهم، ولعل مخيمات الفلسطينيين في أكثر من بلد عربي خير شاهد على ذلك.
صحيح أنه لا يوجد في دول الخليج مخيمات. بل يوجد فلسطينيون غالبا ما يحصلون على استثناءات حتى في التوظيف. لكن إيقاع التوطين أخرجهم من أعمالهم الحكومية، ونقلهم إلى القطاع الخاص، ولم تتوقف مآسيهم وقلقهم ولم ينتهي شعورهم بالتعب بسبب وثائق السفر التي تفتح لهم بابا وتغلق في وجههم عشرة أبواب.
وحال شعوب عربية أخرى، لا تختلف كثيرا عن حال الفلسطينيين، فقد كان الفقر والإضطهاد، طاردا لهم من بلدانهم، فاختاروا الغربة العربية باعتبار أنها أخف ضغطا، لكن ظروف البطالة وضعتهم على خط الريح الذي طالهم أواره.
من المؤكد أن التوطين بكل مصطلحاته : "سعودة" ، "أمرتة" ، "تكويت" ، "بحرنة"...إلخ. لا يمثل في منطلقاته أي فعل عنصري.
 لكن إيقاع الكلمات التي يتم استخدامها في محاولة القطاع الخاص تحديدا بالمسألة، تقع أحيانا في فخ الأوصاف العنصرية، التي لا يليق أن يتم استخدامها في أي مجتمع متحضر.
هناك أناس يرون أن العرب، ينبغي أن يكونو آخر من يتم الاستغناء عنهم من أجل إحلال المواطنين في دول الخليج. وأصحاب هذا الرأي يعززون طرحهم بأنه لا خوف على التركيبة السكانية والنسيج الإجتماعي من الوجود العربي. والتهديد الحقيقي هو من الثقافات الأبعد، إذ أن تكاثرها في المجتمعات الخليجية هو العامل الضاغط الذي يلقي بظلاله السوداء على عدد من مجتمعات المنطقة.
ويبقى السؤال : كيف يحدث التوطين دون أن يمس ثوابت الإنسان؟ كيف نحافظ على أشقائنا العرب بيننا ونحفظ الود معهم؟ وقبل ذلك: كيف نقنع القطاع الخاص بتحقيق نوع من التوازن بين التوطين واستقطاب الخبرات الخارجية.
ينبغي بداية أن نعترف أن قطاعنا الخاص يضم قيادات لا تؤمن بالتوطين. وهذه هي نفسها القيادات التي وجدت حرجا شديدا في مجاراة الأوامر الملكية بتقديم راتبين للسعوديين، أو رفع الحد الأدنى للرواتب.
ذلك أن الفلسفة التي يعتنقونها ترى أن دورة العمل الإنتاجي لها وجهة واحدة فقط لتحقيق الربح. هذه الوجهة يغيب فيها عامل المكافأة المستحقة للعامل المخلص. خاصة أن عملية التوظيف لتحقيق مسألة التوطين تراعي أحيانا أن توزع مثل هذه الوظائف على شكل شرهات لشقيق هذا المسؤول أو قريبه.
هذه المعضلة هي التي تجعل بوصلة التوطين في السعودية والخليج تقفز فوق الإنسان بصفته إنسانا. هي نوع من الميكيافلية التي لا تريد أن تمارس دورا وطنيا، رغم أنها لا تستنكف أن تزعم الوطنية وترددها من خلال إعلان هنا أو تبرع هناك. شغل علاقات عامة، وليس شغلا وطنيا حقيقيا.
هنا يبدو صاحب القرار مضطرا لمسك العصا ورفعها، بعد أن فشلت الجزرة في جذب انتباههم. هذا ما سيحدث قريبا جدا.
 الخوف أن تؤثر الإنتقائية على بعض الشرائح التي أشرنا إليها.
العرب يستحقون أن ننحاز إليهم حتى ونحن نتهيأ لاختيار قراراتنا الأصعب بتقليص العمالة الوافدة. 

السبت، 19 مارس 2011

الرجل المرعب


تواصل مع السماء 



ليس ثمة ما هو أبسط منه، لكنه يرعبني، ولا يزال يثير رعبي. قابلته لأول مرة منذ سبعة أعوام، كان يشكو من مظلمة، وسمعته يردد : رب إني مغلوب فانتصر.
 لم يمض وقت حتى رأيت بعيني ما حل بمن ظلمه. أقسم بالله العظيم أنني لا أكذب، ولا أحتاج أبدا لأن أكذب. لكنني وقتها أيقنت أن دعوة من إنسان ضعيف، بريئ، تعلو ثم ترتد لتكسر رقبة الظالم، وتحيله إلى حطام.
خالد سعيد
بالأمس شاهدت الرجل. كان لا يزال محتفظا ببساطته، مبتسما، سلمت عليه، سألته : ما أخبارك الآن؟ حمد الله، ثم ودعني تاركا إياي وأنا أستعيد صورته. قبل سبعة أعوام، كان شخصا مقهورا، كان يردد: رب إني مغلوب فانتصر. لم أسمعه يوما يتحدث عن خصمه.
 لم أسمعه يشتمه.
 كان دعاؤه ذلك ردا على سؤال عابر: ما الذي بينك وبين فلان؟ كان هذا الدعاء هو تعليقه الوحيد.
هذا الرجل المرعب. مصدر الرعب فيه أنه مستقيم، عملي، صادق. وأنه قال على مسمعي: رب إني مغلوب فانتصر. ولم يمض وقت طويل حتى انتصف له من تضرع إليه، لم يتغير وضعه كثيرا، لكن ظالمه رحل.
كل مرة، أشاهد فيها هذا الإنسان، أتحسس سحر تلك العبارة التي همس بها: رب إني مغلوب فانتصر.
محمد بو عزيزي
أظن أن هذا هو الدعاء الذي هتف به خالد سعيد في مصر ومحمد بو عزيزي في تونس وأرواح أناس كثيرين أهريقت دماؤهم في أماكن كثيرة، فكان ما كان في عالمنا العربي.
لا تستهينو بالعبارات التي يقولها الناس البسطاء. إنها أكثر رعبا من كل الكلمات التي رددها عظماء كثيرون. 

الخميس، 17 مارس 2011

هامش عن الهامش


هناك دوما أكثر من طيف، أكثر من رأي، أكثر من لون، أكثر من لغة...إلخ. وهناك دوما حق وباطل. جور وعدل. وهناك أبيض وأسود.
التعددية هي السمة التي تصبغ الكون، وتعطيه طاقة الحركة الإيجابية والسلبية. هذه التعددية تعكس أحيانا نوعا من الإنسجام. وتعكس في أحيان أخرى شكلا من التضاد، والإنحراف عن خطوط الفطرة وحدود العقل.
وسط هذا كله تبدو المساحة مفتوحة، تتسع فضاءاتها للكل، القوي والضعيف، الغني والفقير، الشريف والوضيع.
يغتر القوي بقوته، ويتمدد في زهو الحياة، حتى يلامس سن المشيب، أو يصيبه الضعف بسبب مرض عارض. قبلها ربما لا يفكر أن لديه ما يردعه أو يوقفه عن طموحاته التي لا تتردد في  العبور على الآخرين. الآخر بالنسبة للقوي يكون مجرد هامش، قد لا يشعر بوجوده.
في الصورة المقابلة، يرى الضعيف في صلف القوة، مادة هامة لاستحضار صور من قتلتهم قوتهم. ذلك أن القوة العمياء تصبح غير ذات قيمة، لأنها لا تتكئ على عقل يقود بصيرتها فتدرك المسارات التي ترتقي بها وتجعلها تسمو.
إن الأصوات التي تتعالى اليوم في العالم العربي، بعضها ينطلق من داخل الذات، ويعبر عن الواقع. لكن هناك أصوات أخرى تحركها مصالح وتطلعات لأن تصبح قوة جديدة لا يهمها أن تحقق العدل والرفاه بقدر ما يهمها أن تكون بديلا للسائد. وهذه دوما تتوسل بالضعفاء الذين عانو من عدم الإنصات. يحتاج العالم العربي أن يتلفت من حوله، أن يبحث عن المهمشين والمظلومين وأن ينصفهم، حتى لا يتحولوا إلى حراب تطعن في الخاصرة.





السبت، 12 مارس 2011

المظاهرات : اللي ماتتسماش !

لامني بعض الأصدقاء، على موضوعي الذي نشرته في المدونة بالأمس، والذي جاء تحت عنوان : يوم في قلب مظاهرة الرياض. هذا اللوم، لا علاقة له بالمضمون. بل يتركز على العنوان. ويبدو الرأي متطرفا نوعا ما. هو يقول إن البحث في محركات البحث، سيظهر العنوان، ولن يهتم أحد بالمضمون، فأحيانا يتم البحث الإحصائي والنوعي عن الموضوع وعن كاتبه. وقد ضحكت كثيرا من هذا التفكير. وكدت أشك أن يكون موجودا، لولا أن شخصا آخر أعاد طرح الملاحظة مرة ثانية.
والإعلام  تحاشى اليوم مثلا أن يلامس لفظة التظاهر. ولذلك فأنت تقرأ مقالة طويلة عنوانها: لماذا فشلت في السعودية؟ وواضح من العنوان أن هناك كلمة ملغاة، هذه الكلمة هي المظاهرات.
 بشكل عام، ورغم حجم الحدث إعلاميا، صحيفة واحدة فقط من بين كل الصحف المحلية، أوردت لفظة المظاهرات مقترنة بعنوان في الصفحة الأولى. عدا ذلك تم الإستعاضة عن اللفظة بمترادفات أخرى مثل الفوضى، الفتنة، تهديد الأمن...إلخ.
هذا في الوقت الذي تناولت فيه القنوات التلفزيونية الخارجية الأمر بنوع من التوسع الذي فاق حقيقة ما جرى. إذ أن كل شخص يدرك أن الجمعة الماضية لم تشهد أي تظاهرات، بل كان هناك استجابة كاملة لفتاوى هيئة كبار العلماء ولتعليمات الداخلية السعودية. وجاء الأمر بمثابة تصويت كامل يؤكد أن التظاهر ليس خيارا مجمعا عليه في السعودية.
ولعل أبرز الردود الرسمية، جاءت على لسان الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية التي نوه فيها بهذ الشعب الكريم، الوفي، المتخلق بأخلاق الإسلام.
وهنأ الأمير نايف الشعب والقيادة على الوقفة الوفية، التي نأت بالوطن عن الزج فيه في أتون الشغب الذي قد يجعل المملكة مكانا للفوضى. الأمير نايف في تلك الكلمة أطلق بشارة أن المملكة ينتظلرها حزمة من القرارات التي تعزز حالة الرخاء والرفاه. 
هذه المصافحة من الأمير نايف، التي جاءت متوجة بشكره لجميع المواطنين، أعطت إشارة لطيفة للمجتمع الوفي، أن الخير الآتي في الطريق، يحمل بشائر أكيدة باستمرار مسيرة النمو والرخاء. 
إيقاع كلمة مظاهرة، وسط كل هذه الممحاكات العربية، يبدو أن إيقاعه سلبي جدا على الآذان، وأحيانا يتم الاستعاضة عن ذلك بالتلميح على طريقة: اللي ما تتسماش.
يحفظ الله الوطن شعبا وقيادة. ويبعد عنا تلك التي "ما تتسماش".

يوم في قلب مظاهرة الغضب في الرياض




إعلامي أجنبي يدون ملاحظاته في شارع العليا العام
أطلقو عليها في النت مسميات عدة، وكانو يريدونها جمعة مختلفة على ما يبدو. كانت مختلفة فعلا. لكنها بالتأكيد لم توافق هوى مناضلي الإنترنت.  جمعة الـ 11 مارس في الرياض تلمح أثرها عند خروجك من بوابة منزلك تتهيأ لصلاة الجمعة. الوجود الأمني المحسوس. رجال الأمن يقفون عند الإشارات ومداخل الشوارع.
لا يوجد شيء غير عادي. رؤيتهم تشيع مشاعر مختلفة. طمأنينة. قلق مم لا ندري ماهو. وشعور بالرغبة في مد جسر للحوار معهم. ترفع يدك مسلما أحيانا، فترتفع الأيدي مبتسمة.
 لم يكن هناك أي مظهر للتوتر. هم مبتسمون. يثرثرون مع بعضهم. ربما حتى هم يتساءلون في دواخلهم: هل كان ثمة مبرر لخروجنا بهذا القدر؟ الإجابة تتضح من منظر السيارات العابرة، باتجاه المساجد.
 قبلها كانت المدينة وادعة، أهلها بين النوم وصحو الصباح المختلط بالرغبة في حد أدنى من الحركة، تناول القهوة، قليل من الفطور، أحاديث عائلية عادية، مماحكات لإيقاظ الأبناء أو تركهم ينامون. أفعال عادية، تحدث في كل بيت، وفي كل مدينة.
شارع العليا العام، هذا الشارع الذي يعج بالناس. هذا المكان الذي تتهادى فيه السيارات ذهابا وإيابا، في أعقاب المباريات، وفي الأعياد والمناسبات الأخرى، أكاد أقول كل يوم. مكان يضج بالحياة. لا ينافسه في ذلك سوى شوارع أخرى مثل التحلية والثلاثين. هنا حيث برج المملكة وبرج الفيصلية. هذه محطة أي قادم للرياض. غالبا ما تتجه عينه صوب الفيصلية والمملكة، يرنو إليهما ويضعهما على جدول زياراته إن كان وقته يسمح بذلك.
 لكن الرياض اليوم شيء آخر. إنها رياض غامضة، لا تستطيع أن تتعرف بقدر واضح عن الصورة التي يكتنفها هذا الصوت السيبري الغامض. لا تكاد تدرك أي أثر تركه هذا النضال النتي الذي أفرزته محاكاة التجارب العربية الأخرى. هي محاكاة أكثر منها فعل ذاتي. هذا الضخ اليومي للثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن...إلخ.
 أفرز في الخليج شكلا آخر من أشكال المحاكاة، خرج في الكويت طلاب الحسم من البدون للمطابة بتغيير ظروفهم المعيشية. لم يسلم الأمر من تسييس واستغلال من بعض أقطاب مجلس الأمة. في البحرين كانت المطالبات أعلى. في سلطنة عمان أخذ السلطان قابوس روح المبادرة، فأسقط أكثر من وزير من أجل الحد من تأثير التظاهرات. الرياض التي ترقبت الـ 11 مارس، بدت في ساعاتها المختلفة، مدينة عادية، هادئة، لا شيء سوى الصمت، الترقب، والوجود الأمني الذي جاء كإجراء وقائي على هامش المشهد العادي جدا.
عبور من شارع العليا العام، باتجاه مبنى المملكة ومبنى الفيصلية، وصولا إلى أماكن أبعد. شمالا وجنوبا, شرقا وغربا. لا شيء سوى سيارات الأمن. مواطنون يخرجون لقضاء حوائجهم. عدد لا بأس به من الناس آثر البقاء. أصبح اليوم عائليا بجدارة. حتى الشباب الذين كان يحق لهم التمرد على هذا الأمر قرر عدد كبير منهم البقاء. لاذو بالفيس بوك وتويتر وبقية المواقع الإجتماعية. حتى هذين الموقعين، كانا فاعلين. البعض توقع الأسوأ. وردد شائعات بإغلاقهما. كما ترددت شائعة بإيقاف خدمة البلاك بيري. هاهي الصور تتوالى. لم يتم إيقاف أي من المواقع أو الخدمات الإجتماعية. لم يكن هناك أي مظهر من مظاهر الغضب. عودة من الجولة النهارية. في العصر، جولة ثانية. نفس المشهد. نفس الصور. لا جديد.
 في المساء أيضا لم يكن ثمة شيء غير معتاد، عدا الوجود الأمني الذي يحفزك على أن تكتفي من التجول، خاصة بعد أن خرج كل الناس مساء، في أعقاب زخات المطر والبرد. بدا المشهد مبهجا. الكل خرج للاحتفاء بالمطر. تزايد الزحام مساء.
كانت مظاهرة فرح لا غضب. كانت الرياض كالعادة تتيه بكلمات بدر بن عبد المحسن: ما أرقك يا الرياض. فتنضوي تحت بشت كل رجل وتحت عباءة كل أنثى، تعكس بشكل أو بآخر صورة من صور الحب والجمال. إنها الرياض. حتى في محاكاتها للتظاهرات العربية، جاءت تظاهرتها تعكس سلوكها الخاص. لم تكن المسألة أكثر من هواجس نتية، تضخمت في الإنترنت، وتوارت سريعا. وسوف تبقى جمعة الغضب في ذاكرة أهل الرياض، باعتبارها جمعة المطر والبرد والمحبة والإيجابية والإلتفاف من أجل الوطن.
صبيحة السبت، غابت كل المظاهر الأمنية، بدت الشوارع عادية. في زمن قادم، قد يتذكر الناس 11 سبتمبر 2011 باعتبارها كانت جمعة استثنائية، ففي كثير من المنازل، الأسرة التفت بكاملها حول طاولة واحدة وهذا شيء نادر. هذه هي النكتة التي تم تداولها على تويتر وبلاك بيري. 

الأربعاء، 9 مارس 2011

الكذب ... المهنة السرية الباذخة

كلما أمعن المرء في الكذب والخداع زاد احتقاره لنفسه وكثرت عقده التي يبتلي بها من يحيطون به. هذا الأمر يبرر ارتفاع أعداد المعقدين الأنيقين شكلا البشعين من الداخل. 
الكذب والخداع ، يتحول في بعض الأحيان إلى مهنة. يمكنك عندما يسألك أحد عن مهنة فلان من الناس أن تقول : مهنته كاذب.
قد يسبب هذا الأمر نوعا من الغضب، باعتبار أن مهنة الكاذب من المهن السرية. لا أحد يدري من أول إنسان اخترع الكذب؟ لا أحد يمكنه أن يعطيك عقارا يمكنك أن تتعاطاه لتمتنع عن الكذب.
لكن هذه المهنة السرية تتطلب نوعية معينة من الرجال الأشاوس والنساء الماجدات. كيف تصبح كاذبا جيدا ترتقي حتى تصل إلى مرتبة المريد الذي لا يشق له غبار؟ 
عليك أولا أن تختار من شحمه ورم. الإنسان غير الواثق من نفسه، الذي خدمته الظروف والصدف، فتتقرب إليه، وتلفت انتباهه إلى نقاط ضعفه بشكل غير مباشر، وتكون أذنه التي يسمع بها، وعينه التي يبصر بها. بعد فترة من الزمن سوف تصبح يده التي يبطش بها. 
دوما يتحقق للكاذب ما يريد. لأنه يعرف ما يريد. وهو كالحيوان المفترس، يختار فريسته بحصافة، وينهشها بذكاء، فتتحول في يده إلى مادة ينثر من خلالها سموه.
الناس دوما يصدقون الواشي. ويتعاملون مع البريء باعتباره متهما لمجرد وشاية. لذلك يغدو من الصعب اختراق هذا الجدار. لأن مهنة الكذب هي الطاغية، والصدق والوضوح يمكن تصنيفه بمسميات مختلفة  على غرار: هذا شخص مغرض، قليل أدب، لا يحترم من هو أعلى منه، آخذ في نفسه مقلب...إلخ.
هذه الإشارات، تجعل الآخر يتخذ مواقفه من الأمر على هذا الأساس.
من هو الرجل الطيب الذي يقول : حبل الكذب قصير. لقد ثبت بالدليل القاطع أن حبل الكذب أطول مم يتصور هذا الإنسان الطيب. واتضح أن مدارس الكذب لا تبقي لك خيارا، فإما أن تكذب وتصبح واحدا ممن يمتهنون الكذب جهارا ، أو أن تتحول إلى أحد المصفوفات المهمشة، خاصة إذا كانت البيئة التي تتواج فيها فاسدة، وطاردة للصادقين والمخلصين. 

الثلاثاء، 8 مارس 2011

مطلوب تجريم من يستخدم الدين لغرس الكراهية بين الناس



سأقولها وأمري إلى الله: معظمنا لم يختر دينه أو مذهبه بل ورثه عن أسرته. لا فخر لأحد بزعم أنه أفضل من الآخر، لأنه لو ولد في غير مكان سيكون هو الآخر.
 السينما المصرية لمست هذه المسألة في أكثر من فلم، بينها فيلم الإرهابي لعادل إمام، حيث عرض الفيلم بكثير من اللطف مسألة العلاقة بين مسلمي مصر وأقباطها. الأمر نفسه ينسحب على سنة العالم الإسلامي وشيعته. 
هناك من يرغب في تفجير العلاقات بين الطوائف والأديان لأسباب سياسية. المسيحيون في العراق تعرضو لكثير من العنت والتفجير، الذي يهدف إلى تكريس فكرة: صعوبة التعايش.
 الأمر نفسه ينسحب على سنة العراق وشيعته. والسيناريو يتحرك خليجيا، باتجاه البحرين وغيرها من الدول. 
هذا الطرح الأسود اللئيم، علينا جميعا أن نقف ضده. الأصوات غير المسؤولة التي تلح في بث الفرقة وتأجيج الفتنة، لا يمكن أبدا أن تكون أصواتا عاقلة، ولا وطنية.
 في مصر أثبتت الوقائع أن جهات أمنية كانت متورطة في تأجيج ثقافة الكراهية بين المسلمين والأقباط. وفي العراق هناك أكثر من دليل يؤكد أن ثقافة الكراهية بين السنة والشيعة لها جذور سياسية تستهدف بث الرعب والتهيب بين الطوائف. 
إن أمان مجتمعاتنا، أن نحضن بعضنا بعضا. لا يهمني أن يكون جاري نصرانيا أو مسلما على مذهب غير مذهبي. المهم أن يكون إنسانا. الدين المعاملة. والكراهية ليست من الدين. والذي يتبجح ويردد كلاما مخالفا لذلك، إنسان متطرف، يفتش في أوراق التاريخ الصفراء، باحثا في ثناياها عن وقود لفتنة حطبها إخوة التراب.
حتى إن عبر أحد من الغوغاء، من اي طائفة، ورددوا شعارات متطرفة، علينا أن نبرز أصوات العقلاء. علينا أن نقبلهم، ونستوعبهم.
في السعودية، كانت تجربة الحوار الوطني، تمثل نقطة ضوء، لأنها عندما جمعت الناس تحت قبة واحدة، كانت تعكس المعنى الحقيقي للأمة السعودية، بكل أطيافها، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. كان الناس يتحاورون ويتناقشون في كل التفاصيل. الوطن والوطنية هي الخط الذي اتفق الجميع في كل لقاءات الحوار الوطني على عدم المساس به. 
لقد احتصرت لقاءات الحوار الوطني، تلك الألفة، التي انبت على مدى سنوات طويلة. ولا شك أن من يظهر شعارا أو دعوة تهدف إلى كسر هذه الألفة، هو إنسان مغرض لا يمكن أن يكون من أهدافه مصالح الأمة.
لقد اتسم التاريخ في الخليج العربي، بكثير من الهدوء والتروي، ولم يكن يوما من الأيام متسما بالدموية التي تميزت بها بعض الكيانات العربية الأخرى. والحفاظ على هذا التقليد، عموده الأساس أن تتوقف الأصوات المتطرفة عن ممارسة هذا الشحن الذي يحاول أن يجرجر الخليج إلى أتون مفزع. 
لست هنا أرغب في تناول قضايا عقدية ومسائل يسهب البعض في انتقاء الشاذ من الفتاوى ليغذي بها نظرته المتطرفة. أنا هنا أتحدث عن أوطان ينبغي أن ننأى بها عن مثل هذه الجرعات الحاقدة. بل إنني أتمنى أن يكون هناك أنظمة وقوانين تجرم كل من يفتح القضايا القديمة من أجل أن يخون أو يحط من قدر هذه الطائفة أو تلك.
لم أختر أن أكون سنيا بإرادتي. ولدت سنيا. وصديقي الذي أحب لم يختر أن يكون شيعيا فقد ولد كذلك. وصديقي الثالث الذي يتميز بدماثة وخلق نادر لم يختر أن يكون قبطيا. ولا أحد مكتوب على جبهته هويته الدينية. تلك الهويات مغروسة في دواخلنا. بعضنا يعكسها بشكل إنسانيا لطيف، والبعض الأخرى يحولها إلى فكر متطرف يهدم ولا يبني أبدا.

الطائفية ليست سيف الله المسلول بل سيف الشيطان الرجيم





من آفات الجهل بين العامة في مختلف أرجاء العالم العربي، تهييج الرأي العام ضد فئة أو طائفة أو إقليم أو قبيلة وتعميم الاتهام لها بالعمالة أو الكفر.
هذا التعميم خطورته أنه يجعل الأوطان مهددة، بسبب ضخ الكراهية بين أفراده.
المواطنة الحقيقية أن تختلف مع من تختلف معه دون التلويح بسيف الطائفية المقيتة أو العنصرية البغيضة.
ولنواصل التأمل: الوطن يبقى بكل أفراده وطوائفه، ولكن إيقاعات الكراهية يمكن أن تترك بصماتها على الإنسان.
قد يختلف إنسان مع آخر في طريقته في التعبير، وقد يرفض هذا السلوك ولا يستسيغه.
أنا من الناس الذين يجدون في التظاهر سلوكا يهدد الاستقرار. قلت هذه الآراء إبان أحداث تونس ومصر، وما زلت أكرره.
لكنني في المقابل أجد أن الأخطر من التظاهر، تصوير أن هذه الفتنة نتيجة تقاطعات وولاءات أجنبية.
التأثير ينتج أحيانا بسبب الرغبة في المحاكاة، كما حدث إبان موجة الناصرية، وإثر الثورة الإيرانية، والصورة تتكرر الآن بعد المشاهد التي تشبع منها الناس سفي التغيرات التي شهدتها تونس ومصر وليبيا.
الخليج لم يسلم من الفتنة، فانطلقت الشرارات في البحرين وسلطنة عمان، والحل هو اقتصادي بالدرجة الأولى، وهو الأمر الذي تستشعره كل الدول الخليجية وبدأت التحرك لمعالجته.
الشباب الذين يركبون موجة التخوين لهؤلاء أو هؤلاء، يتسببون في كثير من التأثير السلبي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. الوطن للجميع. ورفضنا لسلوك التظاهر، ليس مبررا لتسويغ الإساءة لطائفة بأكملها وفتح قضايا وخلافات عقدية تسهم في خلط الأوراق، بدلا من محاولة رأب الصدع، وتجميع القلوب من أجل الحفاظ على مكتسبات هذا الوطن، والإسهام في تعزيز وحدته وولائه لقيادته.
بعض الأصوات قد لا تحب هذا الطرح، لكن مطلوب منها أن تصغي وتحاول التأني في التعاطي مع قنبلة الطائفية، حتى لا تجد مجتمعات الخليج أنها تغوص دون أن تدري في حمأة السيناريو العراقي.
الطرح الطائفي، لم يكن كما يزعم البعض أو يعتقدون : سيف الله المسلول على المخالفين، بل هو سيف إبليس الملعون، الذي يتم تغذيته من أجل تحقيق أهداف تنزع سلام المجتمع، وتهدد أمنه.
لقد تمت ممارسة لعبة التهييج الطائفي من مختلف الأطراف، ولا يوجد أحد يمكن تبرئته، لكن الحقيقة أن دين المسلمين الذي يسعه أن يستوعب المسيحي واليهودي ويقبله كمواطن عليه وله ما للمسلم. هذا الدين لا يمكن أن يضيق فيمن يعتقد بهذا المذهب أو ذاك، ولكنه في المبتدأ والمنتهى يقول : لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

الأربعاء، 2 مارس 2011

الإصغاء حضارة



بين جملة: أنا فهمتكم. وعبارة: نحن لسنا مثل مصر وتونس. التي ترددت في أكثر من بلد عربي، ظهر أن الإرسال والإستقبال لدى هذه الفئات يعاني من خلل. الطرف الأول يرغب أن يصغي إليه أحد، وأن يكون متفاعلا مع مطالبه. والطرف الآخر لم يتعود على الإصغاء، وإن أصغى لا يسمع إلا ما يريد أن يسمعه.
والحقيقة أن هذه الظاهرة ليست حكرا على بعض المسؤولين في العالم العربي. هناك أفراد في كل مكان لم يتعودوا على الإصغاء. هم يتحدثون فقط، وليس لديهم قابلية للإصغاء. ولذلك تراهم يبادرون بالمقاطعة. ومعنى المقاطعة إخراس أي صوت عاقل أو صاحب وجهة نظر. نتيجة هذا الأمر تنعكس على أوضاع المنشآت، إذ يسود مفهوم : هذا ليس شأنك. وعندما تتسع دائرة: هذا ليس شأنك. يغدو الأمر بأكمله في يد واحدة. هذه اليد العليا في المنشأة التجارية، أو المنشأة الثقافية، أوالمنشأة  الإقتصادية، ... إلخ. تصوغ الأمر كما يمنحه إياها صوتها وحسها وشعورها وتصورها. هنا نحن نتحدث عن الهيكل الأسطوري للبرج العاجي، هذا البرج الذي يسكنه المرء وهو يتخيلون أنهم يعرفون كل شيء. فإذا بهم يكتشفون في نهايات الحكاية أن الصورة مختلفة. وقتها، لا تجدي عبارة: أنا فهمتكم. الإصغاء الجيد هو الذي يعطي الفرصة لتقييم الأمور بشكل جيد.


http://bit.ly/gigAeQ 

الثلاثاء، 1 مارس 2011

هرمنا...هرمنا



بدا الصوت وكأنه آت من زمن بعيد، يحمل الكثير من الإنكسار والحسرة والضعف. كان ذلك العجوز التونسي الذي ظهر في كل القنوات وهو يردد: هرمنا..هرمنا. يعطي تلخيصا للأحلام البسيطة، الأحلام التي تأجلت كثيرا، ولم تتحقق. هو صوت يجسد صورة من الصور التي يكتنزها عالمنا العربي.
أحيانا عندما أتأمل، أتصور أن ما يتمناه الإنسان لا يبدو مستحيلا، هي أشياء بسيطة للغاية: وظيفة كريمة، وبيت صغير، وحياة وادعة لا يشوبها تنغيص من موظف لم يتعلم أن الضمير الطيب خير وسادة.
بالأمس تعمدت أن أبتعد عن كل القنوات الإخبارية، وأن أقلب الريموت على القنوات العربية الحكومية. بدت مختلفة عن ما تقوله الفضائيات الخاصة أو هكذا تخيلت. أصبحت ترصد بشكل أكبر حاجات الناس. تتيح مساحات لاقتناص أحاديثهم.
 الشيء الغريب أن الأحاديث كلها تتفق على مطالب بالإمكان أن تتحقق، لو توفرت الإدارة المناسبة. يقول البعض إن أحلام شعوب عربية تم اختطافها من قبل قنوات إخبارية كالجزيرة، وأخذت تتاجر بها وتستغلها أسوأ استغلال. وهذا كلام ليس بعيدا عن الحقيقة.
 لكن الشيء الحقيقي أيضا أن من يصنع الغضب ويكرسه في نفوس الناس ليس شرطا أن يكون وزيرا أو مسؤولا كبيرا. هو غالبا موظف صغير لا يعلم أن قضاء حاجات الناس واجب عليه أن يؤديه حتى لا يهرموا وهم يكابدون. الأمر يحتاج إلى إدارة. يحتاج إلى إخلاص وضمير يستطيع المسؤول الأكبر أن يعتمد عليه. ويحتاج إلى عدم اعتبار أن كل صوت مختلف هو عدو أو صاحب غرض ومصلحة غير سوية. 

من تدويناتي القصيرة على تويتر : 9 تأملات حول ما جرى ويجري

تأمل (1) : الأحداث التي يشهدها العالم العربي أفرزت مصطلحات جديدة. الثورة صارت كلمة سهلة. لم يعد أحد يأبه أو يخاف من ترديدها. والتظاهر صار موظة.
تأمل (2): التسميات المصاحبة لأحداث العالم العربي هي الأخرى أخذت أبعادا ربيعية ورومانسية تتضمن مصطلحات ملونة مثل الياسمين.
تأمل (3): أبرز التغيرات ظهرت في تلك الجولة السياحية التي عرف من خلالها العرب عن بعضهم ما لم يعرفوه من قبل عن المدن ...شارع شارع..وزنقة زنقة.
تأمل (4): برز على السطح دور الإعلام الجديد وأصبحنا نلمس نبضا مصريا وتونسيا وسودانيا..إلخ لما يجري في ليبيا أو اليمن مثلا.
تأمل (5): من سلبيات الظاهرة إفراط البعض في حماسه إلى حد التطرف في الآراء، وبرزت ظاهرة : إن لم تكن معي فأنت ضدي. وكلمات : حاقد، جاحد، عميل.
تأمل (6): أفرط البعض في إسباغ الوطنية على قناة الجزيرة، وهذا تعاطي عاطفي ساذج مع المسألة ذات التمددات الخارجية ... إعلاميا على الأقل.
تأمل (7): سقط في الأحداث الأخيرة كثيرون في فخ الترميز والتصنيم. وصار هناك فرق إنتحارية تقول كلاما في لحظة عصبية ثم تندم عليه.
تأمل (8): كشفت الأزمة علماء ومشايخ ينطبق عليهم المثل : عين في الشحمة وعين في اللحمة. كان الفرز قويا. لم يكن لديهم فرصة المناورة كما يفعلون.
تأمل (9): حاولت دول أن تطرح نفسها كحامية للثورات العربية ـ الدوحة أو الجزيرة سيان ـ بينما حافظت بقية الدول على دبلوماسية عدم التدخل.
@kalsuhail