الخميس، 17 نوفمبر 2011

قصة كرات الثلج






بين الصورة وما وراء الصورة مسافة كبيرة. عندما تتأمل صور الطغاة الذين مروا على العالم، لا يمكنك أبدا أن تستشف من الصور أي ملمح يجعلك تتخيل أن خلف هاتين العينين مجرما. سواء كانت هذه الصورة تخص هتلر أو القذافي أو سواهما من الشخوص التي سارت عكس الريح وأوجدت لها مكانا على جثث الضحايا.
هذا الأمر حتما لا يمكن قصره على الطغاة الكبار. إذ حتى الطغاة الصغار، لا يمكنك أن تستشف من خلال نظرة إليهم أي شر يكتنزونه في دواخلهم.
وأحيانا، يحتضن الإنسان قاتله دون أن يدري. وقد لا تتوافر أي شروط موضوعية لحصول جريمة فردية، لكنها تحصل، وقد تموت امرأة بريئة على يد مدبرة المنزل التي تعمل لديها رغم أنها كانت تتعامل معها كابنة من بناتها.
إن ظهور المجرم، وهو يحضن أطفاله ويحنو عليهم، لا يعطيك سوى جزء من حزمة معقدة من الصور. وفي الطابع الإنساني البحت، تجد في النفس البشرية سلسلة تناقضات تبدو عصية على التصنيف باعتبارها وحدة واحدة. رجل البر والتقوى في مشهد ما، تراه في مشهد آخر شخصا بخيلا في حالة تناقض الصورة الأولى. والمفكر النابه الذي يقول كلاما يعجب الناس، تكتشف أنه في لحظة ما تحول إلى شخص يخالف كل ما يقوله دون أن يرف له جفن. والمعلم الذي يصوغ المفاهيم التربوية الجميلة يتحول في لحظة اختلاف مع تلميذه إلى شخص غاضب يكرر اللوم والعتب على تلميذه لأنه يعتبر أن طرح معلومة تخالف ما يقوله هو: قلة أدب. هذا المنطق الذي يتبناه المعلم، هو المنطق ذاته الذي كان يتبناه زعماء رحلوا جبرا، لأنهم لم يصدقوا أن طغيانهم قابل للتحدي. حتى فهم الإنسان للظلم يبدو مختلا، إذ إن الظلم بالنسبة لكثيرين هو ما يتعلق به شخصيا، أما ما سواه فشأن آخر تستوعبه عبارة قصيرة: لا يعنيني. هذه هي قصة كرة الثلج التي تتكرر دوما.

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

أمية الخلاف



 نحتاج لإشاعة ثقافة الاختلاف، منذ مرحلة الطفولة: سواء في المنزل أو المدرسة. الطفل الذي يطرح رأيا مختلفا ليس شرطا أن يكون مشاكسا أو قليل أدب، إذ هو يحمل رأيا مستقلا من الضروري أن يتم التعامل معه وفقا لهذا السياق.
هذه التربية تؤسس لقيام مجتمعات رحبة، تتمتع بقدر على فهم الاختلاف باعتباره ثراء، لا خصومة تستدعي العداء.
إن أمية الخلاف والاختلاف تتغلغل في النفوس فتظهر من خلال تعبيرات صارخة وممارسة حادة من أجل الإقصاء، تتلبس بأشكال متعددة لكن منتجها النهائي لا يخرج عن السياقات العاطفية كما هو حال الطرح العنصري الذي يتدثر دوما بالفعل الجغرافي أو القبلي أو الأسري أو الشعوبي...إلخ.
اللافت في بعض مؤسساتنا التربوية والأكاديمية ـ مثلا ـ أن الصوت المختلف يدفع الثمن غاليا. فالمعلم أو المعلمة، في كثير من مجتمعاتنا العربية هو مصدر الحقيقة، وعلى الطلاب أن يفتحوا عقولهم وأدمغتهم للحقن الذاتي. أي محاولة لممارسة نوع من الاستقلال غير مرغوب فيها. وحتى إن أخطأ المعلم أو المعلمة، فليس مطلوب من المتلقي سواء كان طالبا أو طالبة سوى تجاهل هذا الخطأ حتى لا يدفع الثمن غاليا.
واحد من الزملاء المميزين في التفكير، اضطر إلى أن يقطع دراسته الجامعية، بعد أن تعرض لضغوط شديدة من أكاديميين ترصدوا له لأنه كان يناقشهم في بعض ما يطرحونه من أفكار. كانت الموجة أعلى منه.
توارت أسماء الذين وقفوا ضده، وأكمل الرجل طريقه بدون شهادة الجامعة، وأصدر مجموعة كتب ضمنها أفكاره التي لقيت صدى واسعا. كان يفكر باستقلالية جعلته يقرأ الصورة بعيدا عن وصاية الأكاديمي...المستبد برأيه أحيانا.