الأحد، 8 أبريل 2012

حاتم الطائي الإنسان



كثيرون يبتسرون سيرة حاتم الطائي في الكرم الذي كان يميزه. ذلك الكرم الذي لقي ثناء عاطرا من الرسول الكريم عليه السلام. ولقي بعض التطاول من البعض باعتبار مثل هذه الممارسة تنطوي على بعض السفه بزعمهم ! هذا ليس الموضوع. إن التأمل في سيرة حاتم الطائي يجد أن كرمه لم يكن قاصرا على هذا المفهوم، بل كان يتعامل من خلال كرائم الأخلاق. تلك المزية التي بدأت تتلاشى عند البعض. حاتم الطائي الإنسان كريم النفس والشمائل هو القائل:

وما من شيمتي شتم ابن عمي 
وما أنا مخلف من يرتجيني

بينما يسود اليوم، قيم عصرانية، تجعل شتم ابن العم، والأب، ناهيك عن الأبعد، مسألة تستحق الولوغ فيها، إذا ما كانت المصالح تستدعي ذلك. وحاتم الحصيف، يقول:

وكلمة حاسد من غير جرم 
سمعت وقلت مرّي فانقذيني

هنا، ترى نبلا لم يعد موجودا. فكلام الحاسد يترى ويؤثر في من يستسلم لناقله ويجعله ينتقم لذاته، حتى وإن كان المنقول ليس صحيحا.
أما كرمه المشهور من خلال بذله ما يملك، فقد فتح عليه غضب زوجه وهو يشير إلى ذلك في أكثر من موضع منها قوله:

وقائلة أهلكت بالجـــود مالنا 
ونفسك حتى ضر نفسك جودها
فقلت دعيني إنما تلك عادتي 
لـكل كـريم عــــــادة يستعــيدها


رؤية حاتم، هي رؤية إنسانية، بمقاييس تفوق كثيرا ما قد يتشدق به البعض منا حاليا. هاهو هنا يقر، أنه كي لا يكون لئيما يرضى أن يبيت جائعا، في مقابل أن يأكل ضيفه:

أما والذي لا يعــلــم الغيــب غـــيره
ويحيي العظــام البيــض وهي رمــيم
لقد كنت أطوي البطن والزاد يشتهى
مــــخافــة يومــا أن يقـــال لئيــم


لهذا السبب، بقي حاتم بقيمه وجوده هامة شامخة، يقرأها الناس، لكنهم قلما يدركون أن القيمة ليست سرفا ماليا مع لؤم، بل هو بذل في المال، وعطاء من كرم الأخلاق، يجعل النفس تتسامى لتعانق الذرى.
هامش أضعه هنا، بعد نقاش دار بيني وبين عدد من الأصدقاء، كان محوره "الإنسانية في العصر الجاهلي". واخترت نموذج حاتم الطائي للتأكيد أن بعض ما في ممارساتنا المعاصرة، هو أكثر جورا من بعض صور الشهامة العربية العريقة. والشهامة بزعمي هي المحرك الأساس الذي يجعل فعلنا يغدو أكثر إنسانية.
في 605 م ـ أي قبل الإسلام ـ مات حاتم الطائي على دين النصرانية، وذاعت قيمه بين الناس، لكنهم أضاعوها، كما أضاعوا الكثير من جوهر الإنسان.




* سبق أن نشرت هذه التدوينة في 27/4/2008 في مدونتي على موقع ميراد.