الأحد، 23 مارس 2014

النائب يتبرع بقلبه

بينما أنا أقرأ خبر توقيع نائب وزير الصحة للشؤون الصحية الدكتور منصور الحواسي أمس على بطاقة التبرع بأعضائه عقب وفاته، وذلك عقب افتتاحه معرض الحملة التوعوية في اليوم العالمي للكلى.

 تذكرت أنني سبق منذ سنوات طوال أن وقعت في مناسبة حاشدة على مثل هذه البطاقة. وهناك وزراء آخرون رحلوا عن هذه الدنيا -يرحمهم الله- وقعوا على البطاقة نفسها وسط أضواء فلاشات التصوير والتصريحات البليغة.

لكن واقع الحال أن الأمر يبقى مجرد عرض تحفيزي، لا يتبعه فعل حقيقي. والعودة إلى الأرشيف تؤكد ما أقوله، ولا أريد هنا أن أطرح أسماء، فالأمر فقط يتطلب آلية تحفظ للمتبرع حقه في التبرع وتجعل هذا الموضوع جزءا من سجله الطبي المتاح سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة.

مبادرة مثل هذه تنطوي على فعل إنساني راق، وأثره يتجلى سريعا من خلال إنعاش أرواح أخرى تظل تعاني أمر العذاب بدون وجود مثل هذه المبادرات النبيلة.

ومع ذلك فإن هذا الفعل يظل محدودا، ولا نراه إلا في حالات "الكوما" طويلة الأمد. بينما في حالات أخرى مثل الحوادث أفضل ما يفعله المستشفى العام والخاص هو رفع الأجهزة وإعلان حالة الوفاة للمصاب، دون التفكير في عرض الأمر على أسرة المتوفى ومحاولة أخذ موافقة منهم بإحياء جزء من فقيدهم من خلال منح أعضائه لآخرين.

بل إنني أتذكر تجربة لن أذكر اسم صاحبها، وصل إلى المستشفى بعد وفاة فلذة كبده، وعندما أفاق من الصدمة وفكر في أن يتبرع بأعضاء الفقيد، اكتشف أن الأمر قد انتهى ولم يعد ذلك ممكنا.

إنني أثني على قرار الدكتور الحواسي وكل إنسان أسهم في إحياء الأجساد التي تعاني أدواء الكلى والقلب والعمى وغيرها من أمراض وعلل تحتاج إلى مبادرات نبيلة.

عندما ينتهي عمر الإنسان، لا يمكن إعادته للحياة، ورغم ألم الفقد، لكن منح آخرين فرصا أخرى للحياة بالتبرع بالأعضاء أمر رائع وينسجم مع الحس الإنساني الراقي. على الأقل عندما تتلفت من حولك، سوف ترى جزءا حيا ممن فقدت، لا يزال يمشي على الأرض.


الجمعة، 7 مارس 2014

فوضى الثقافة والمثقف


صاحبي يتهيأ لاستقبال معرض الكتاب. هو في الحقيقة يجد فيه ملاذا، ينتقي من خلاله مؤونة تكفيه عاما كاملا. يأخذ أحدث الكتب، في مجالات الأدب والتاريخ والاجتماع والسياسة... إلخ. حال صاحبي يعكس قدرا لا يستهان به من السلوك المتحضر. الحقيقة أن دور النشر العربية تتهافت على معرض الرياض الدولي للكتاب. حركة الشراء في المعرض تعتبر الأعلى عربيا. هناك أيضا من يجد متعة في التجول بين معارض الكتب في القاهرة والشارقة وغيرها.

الإشكال في كل هذا، يظهر في كون صاحبي ـ وسواه كثير ـ عندما يأتون إلى معرض الكتاب، يقودون سياراتهم بشكل فوضوي، ويعمدون إلى إيقافها في أماكن غير مناسبة. لكنهم عندما يعبرون نحو ساحة الكتب، يتحولون إلى كائنات لطيفة، يتحدثون مع المؤلفين عبر لغة راقية، وغالبا يكون لديهم رحابة وقدرة على الإنصات وأيضا يختارون كتبا مميزة. بعضهم يتجه نحو قاعة المحاضرات، ينصت للفعاليات بمنتهى الهدوء، ثم يحمل حمولته ويمتطي سيارته، ثم يتأهب لخوض معركته مع الناس من حوله في الشارع. كثيرا ما يلوح سؤال في ذهني، وأنا أراقب سلوك البعض بمجرد امتطائهم السيارة: هل هناك جني يسكن في سياراتنا يستحوذ على تصرفاتنا؟

الحقيقة أنني أمعنت في مراقبة نفسي أولا، وفي مراقبة إمام مسجدنا، وأيضا أناس غرباء لا أعرفهم. حالة من التنمر والذئبوية تتلبسهم خلف المقود، يجورون على المشاة، وعلى أصحاب السيارات الأخرى، لكنهم يمضون جذلين، فرحين بحصيلتهم من أوعية الثقافة وكنوزها التي تقدمها دور النشر المحلية والعربية والأجنبية.