الأحد، 19 ديسمبر 2010

الليبرالية الموشومة


كان الدكتور عبد الله الغذامي جريئا وقاسيا في محاضرته التي ألقاها الإثنين الماضي في جامعة الملك سعود تحت عنوان "الليبرالية الموشومة". المحاضرة تم بثها بشكل مباشر عن طريق موقع الجامعة على الإنترنت، وبالتالي تهيأت متابعتها لكثيرين ـ أنا منهم ـ ممن لم تتح لهم فرصة الذهاب إلى الجامعة لهذا الغرض.
الدكتور عبد الله الغذامي الذي اعتبر أن أهم قوانين الليبرالية حرية الرأي وحرية التعبير يجزم أن كثيرين لا يعون هذه المسألة، فالليبرالية تبدو شديدة التشوه في العالم العربي. وهي جلباب يلبسه من لا يستطيع أن يكون حداثيا أو إسلاميا، باعتبار أن مصطلحها غير الواضح يجعلها مسمى يتخذه من لا يجد مسمى آخر يناسبه. المحاضرة تضمنت استعراضا للصورة الذهنية لليبرالية في المخيلة الاجتماعية. وهي صورة تبدو مغايرة للمصطلح، إذ إن العرض الذي وضعه عبد الرحمن الوابلي لها من خلال حلقة طاش ما طاش ـ على سبيل المثال ـ لم يكن دقيقا ولا يعكس ما يتضمنه المصطلح من مفاهيم وأفكار، وإنما يقدم نظرة المجتمع لها. المحاضر أصر على اعتبار أن المجتمعات العربية ومن بينها مجتمعنا تخلو من خطاب ليبرالي حقيقي.
من المؤكد أن صوت جامعة الملك سعود، وهو يمتد عبر فضاء الإنترنت بشكل مباشر، أمر يستحق التنويه. ولا شك أن الغذامي المثير للجدل بشكل مستمر سوف يجد أمامه في الفترة القادمة سلسلة من النقاشات سواء مع بعض من أشار إليهم في المحاضرة مثل الدكتور تركي الحمد، أو ممن عرض لمواقفهم من أولئك الذين لبسوا جلباب الليبرالية باعتبارها موضة. الشيء اللافت أن المداخلات الرجالية والنسائية أضافت مزيدا من الألق والتميز على المحاضرة، إذ جاءت غالبيتها في ذات الموضوع ولم تخرج عنه إلى دوائر أخرى كما يحدث أحيانا في محاضرات شبيهة.

خصوم الغذامي



واجه الغذامي إثر محاضرته في جامعة الملك سعود تحت عنوان الليبرالية الموشومة، هجوما ممن يرون أن ما طرحه لا يعدو أن يكون انطباعات فقط. ورأى البعض أن المحاضرة أعطت التيارات المخالفة فرصة للتشفي. وهذا الطرح يعكس ضحالة لدى من يؤمن به، إذ إنه يؤكد طروحات الغذامي ولا ينفيها. فالقناعات التي لا تتمتع بالحصانة من داخلها لا يمكن أن تحمي نفسها.
يبدو أن مشكلة الأيديلوجيات العربية لا تتعلق بالقناعات التي تتكئ عليها، بقدر ما تتعلق بكيفية التعاطي مع هذه الأيديلوجيات. وكثير من المتحزبين، يصبغون هذا التحزب بالصبغة الشخصية التي تجعل الفكرة تصبح كائنا حيا يتحرك بها شخص فتتكيف هذه الفكرة حسب هيئته وشكله وقناعاته، فيصيبها ما يصيبه من سمنة وضعف ... إلخ.
هذا النموذج نراه على هيئة ممارسات يومية، إذ لا يمكن على سبيل المثال أن تتقبل عقلا ومنطقا من شخص متدين تجاوزا للأنظمة والقوانين المرورية مثلا، ومع ذلك فالواقع يقول إن هذا يحدث، ولا يردع هذا الشخص عن هذه الممارسات لا قناعاته ولا هيئته.
هي نماذج بسيطة من المهم استحضارها كي ندرك أن هناك بون شاسع بين النظرية والممارسة. ويمكن أن نخضع كل التوجهات لهذا المعيار. المثقف الذي يؤمن بالحوار والديموقراطية ولا يكف عن الحديث عنها، ثم يخالفها في بيته وفي مقر عمله وفي الشارع، لا يمكن أن نسميه مثقفا. هو خارج التصنيف، قد يكون رأسه ممتلئا بالمعرفة لكنه فارغ من المحتوى الذي يجعله يكيف هذه المعرفة بشكل منطقي بحيث تغدو ممارسة.
رأيي أن الغذامي في محاضرته حول الليبرالية لم يجانب الصواب، إذ إنه أعطى نماذج من الواقع، وترك للآخرين إما إقصاؤه ـ وهم بذلك يناقضون جوهر الخلاف الذي لا يفسد الود ـ أو القبول بالحقيقة ومحاولة معالجتها.