الأحد، 19 ديسمبر 2010

خصوم الغذامي



واجه الغذامي إثر محاضرته في جامعة الملك سعود تحت عنوان الليبرالية الموشومة، هجوما ممن يرون أن ما طرحه لا يعدو أن يكون انطباعات فقط. ورأى البعض أن المحاضرة أعطت التيارات المخالفة فرصة للتشفي. وهذا الطرح يعكس ضحالة لدى من يؤمن به، إذ إنه يؤكد طروحات الغذامي ولا ينفيها. فالقناعات التي لا تتمتع بالحصانة من داخلها لا يمكن أن تحمي نفسها.
يبدو أن مشكلة الأيديلوجيات العربية لا تتعلق بالقناعات التي تتكئ عليها، بقدر ما تتعلق بكيفية التعاطي مع هذه الأيديلوجيات. وكثير من المتحزبين، يصبغون هذا التحزب بالصبغة الشخصية التي تجعل الفكرة تصبح كائنا حيا يتحرك بها شخص فتتكيف هذه الفكرة حسب هيئته وشكله وقناعاته، فيصيبها ما يصيبه من سمنة وضعف ... إلخ.
هذا النموذج نراه على هيئة ممارسات يومية، إذ لا يمكن على سبيل المثال أن تتقبل عقلا ومنطقا من شخص متدين تجاوزا للأنظمة والقوانين المرورية مثلا، ومع ذلك فالواقع يقول إن هذا يحدث، ولا يردع هذا الشخص عن هذه الممارسات لا قناعاته ولا هيئته.
هي نماذج بسيطة من المهم استحضارها كي ندرك أن هناك بون شاسع بين النظرية والممارسة. ويمكن أن نخضع كل التوجهات لهذا المعيار. المثقف الذي يؤمن بالحوار والديموقراطية ولا يكف عن الحديث عنها، ثم يخالفها في بيته وفي مقر عمله وفي الشارع، لا يمكن أن نسميه مثقفا. هو خارج التصنيف، قد يكون رأسه ممتلئا بالمعرفة لكنه فارغ من المحتوى الذي يجعله يكيف هذه المعرفة بشكل منطقي بحيث تغدو ممارسة.
رأيي أن الغذامي في محاضرته حول الليبرالية لم يجانب الصواب، إذ إنه أعطى نماذج من الواقع، وترك للآخرين إما إقصاؤه ـ وهم بذلك يناقضون جوهر الخلاف الذي لا يفسد الود ـ أو القبول بالحقيقة ومحاولة معالجتها.

ليست هناك تعليقات: