الأحد، 20 ديسمبر 2015

يا عمر : يغيب الأحباب ... فنذوي

نعم؛ أنا حزين؛ ... 
الموت حالة حداد. وحياد. ننظر له. نعرفه، يعرفنا. نهمس بكلمة الموت؛ ونحن بين الأمل والألم، بين الهلع والوجع. 
نعم؛ ... أنا حزين. أكتب لأنني حزين. تملأني الكآبة. الأحباب يرحلون. خبرتُ الموت، وعرفته. كنت صغيراً حينما فقدتُ أمي يرحمها الله. لم أكن أعي، ما معنى الموت. بكيتُ في اليوم الأول، لأن كل من حولي يبكون. ثم بكيتُ في اليوم التالي بحرقة، لأنني لا أرى أمي. اعتادتني الكوابيس لفترة طويلة. ثم تصالحتُ مع الحزن.
درجتُ في دروب الحياة. أدركتُ أن الموت يعني الفقد، الفراق، الغياب. والغياب داخل الغياب. غياب التفاصيل. غياب الشخوص. غياب الكلمات. غياب اللحظات السعيدة.
عندما كبرتُ، كنت على مواعيد مع الرحيل دون وداع. فقدت ابنتي لينا يرحمها الله في ليلة عيد. فانطفأت كل أعيادي بعدها، وعشت في غصة هذا الفراق، ونأيت بنفسي عن اللقاءات العامة؛ إلا ما كان يفرضه الواجب.
ثم في غياب آخر، وصلني خبر وفاة والدي يرحمه الله؛ فعدتُ منكسراً، حاملاً ضعفي وفجيعتي وألمي وحزني. 
ثم بدأت أفتقد أصدقائي، واحداً تلو الآخر. أعترف أنني انكسرت بغياب صديقي محمد أبو عمير. ولم أسلو.
ثم جاء رحيل صديقي عمر المضواحي المفاجئ، ليزيد يقيني أن الموت - مع التسليم بقضاء الله وقدره - لا مفر منه.
كنت وأنا أتحدث مع ابنتي رغد يحفظها الله، ولينا يرحمها الله، أقول لهما : أنتما عيناي التي أنظر بهما.
أعترف - وأستغفر الله - أنني لم أتخيل أنني سأفقد لينا، وكنت أتصور - وهذا من الأمل بالله سبحانه وتعالى - أنني سأرحل قبلها. واكتشفت أن فجيعة فقد الإبن أو الإبنة، لا يعدل مرارتها مرارة.
وكنت وما زلتُ أتقوى بعد الله بأسرتي وشقيقي محمد وأصدقائي اللصيقين.
وأحمد الله إذ أنعم علي بأصدقاء كثر، فقدت بعضهم، وما زلت أتوكأ على البعض الآخر.
وأصبحتُ أشد يقيناً وإيماناً بقضاء الله وقدره. تعلمتُ من الموت؛ وتألمت من الموت، ... وأيقنتُ أنه لا راد لقضاء الله.
وبعد يا صديقي عمر المضواحي : لم يكن هذا الصباح عادياً؛ فقد صحوتُ من نومي على كلمات العزاء، تملأ هاتفي.
وهممتُ أن أعود للنوم، فقد بدا الأمر وكأنه كابوس أليم.
أردتُ أن أصحو، وأستعيذ بالله من همزات الشيطان. ولكنني أيقنتُ أن الأمر حقيقي. عدت إلى شريط ذكرياتي. كلمات. ورسائل. وعود باللقاء. الأربعاء. نعم هذا الأربعاء. مضيت إلى مكتبي. ما زلتُ أتمنى أن يكون الخبر مجرد شائعة.
أردتُ صديقاً مثل صديقي محمد أبو عمير، يخطف الهاتف من يدي، ... كان الهاتف الذي حمل إلي نبأ وفاة ابنتي.
قال لي : إنها بخير. كنت أحتاج أن أصدق هذه العبارة. كنت أحتاج إلى هذه التخدير لوهلة. حتى أتهيأ للحقيقة. 
من الغريب، أننا نتعلق بالأمل، حتى ونحن على يقين أن الحقيقة غير ذلك. هذا ما كنت أحتاجه هذا الصباح.
كنت أتنقل بين وسائل التواصل؛ أفتش فيها عن شخص يقول لي؛ إن غياب عمر المضواحي مجرد إشاعة.
قلت إنني حزين؛ لأن عمر عنوان ثابت من عناويني في جدة؛ يأخذني في رحلة مدهشة، صوب جدة القديمة. يتحدث ونحن نغذ السير على أقدامنا، وأتعمد عدم مقاطعته؛ لأن شغفه بالأماكن القديمة يسحرني.
نختار مقهى أو مطعما في حارات جدة العتيقة. نثرثر في كل شيء. نلامس إحباطاتنا لنضحك. وتعف ألسنتنا عن الإساءة لهذا أو ذاك.
 لا أذكر أنه تغول على أحد. كتب مرة كتابة مدهشة، عن شخص فأجاد. وهو يجيد الكتابة عن من لا يعرفهم. قال إنه يحترم مهنية هذا الرجل، ويتحفظ على تعامله اللا إنساني. ثم توقف عن الاسترسال.
يقول إن الكتابة عن شخص من بعيد، تعفيك عن مجاملته.
مرة واحدة؛ خالف فيها عادته، إذ كتب عن أحد أصدقائه (...) وكان له تبريره لهذه المسألة.
عندما يبدأ عمر في الكتابة عن شخص أو موضوع؛ يعكف على ذلك لفترة طويلة.
بعض الموضوعات كان يستغرق في التحضير لها أشهراً طويلة.
 لا أحد لديه الجلد الذي يتمتع به عمر المضواحي يرحمه الله.
 دأبه في الكتابة عن موضوعاته الأثيرة : مكة المكرمة والمدينة المنورة، كان يختلط فيه الحب بالحرفية والبحث والتدقيق والتمحيص. كان يتابع القصة ويتعب في فتح الدروب المسدودة.
كان يسافر، طلبا لمعلومة.
وأحيانا يدخل في جدل من أجل النشر. يعيد الكتابة. يحاول الإقناع بشتى الطرق. يفاوض. ينتصر غالباً. وكانت الموضوعات تتأجل؛ ثم تتأجل، ثم يقوم بإعادة صياغتها من جديد. كنا نجلس ساعات، أصبحت مع عمر المضواحي أتقن الإنصات إلى موضوعاته الأثيرة.
يحدثني عن همومه وشجونه. كان عذباً في كل حالاته. أختلف معه؛ فيحترم رأيي.
تناءت بنا الدروب، والمواقف. لكنه كان يأخذ مني ما يوافقني فيه، ويتغاضى عن ما لا يعجبه ولا يناقشني فيه.
 بدا كأننا اتفقنا أن نحكي في المتفق عليه، ... هو الشخص الوحيد، الذي كان يتقن ردم المتناقضات.  
علاقته برؤساء التحرير، كانت تتسم بالصدق والجرأة بأدب. وعندما يصل إلى طريق مسدود، لم يتردد في كتابة ورقة استقالته والمضي بعيداً. لا يؤجل قرارته. ولا يأبه بتبعات هذه القرارات. كان عزيز نفس.
 كانت رحلاته الصحفية  للخارج متعة ومعرفة وبحث مضني. كتب كشاهد عيان من أكثر من بلد فتحولت كتابته إلى شهادة للتاريخ.
 تألم كثيراً عندما حذفت إحدى الصحف بعض موضوعاته، من موقعها الإلكتروني.
أنشأ مدونته روبابيكيا صحفي؛ حاول من خلالها أن يململم شعث بعض موضوعاته. كان يعيد نشرها كاملة، بعد ان ينشرها في صحيفته وفق ما يراه الرقيب. 
عمر المضواحي ظاهرة إنسانية، وحالة مهنية نادرة في صحافتنا المحلية. 
حزين؛ ... إذ أكتب.
وحزين، ... إذ أصمت. 
فمن الخيانة، أن تتحدث عن جراح يتسامى هو عن نشرها على الملأ.
حزين، ... أبحث عن العزاء والوفاء في أصدقائه، الذين اكتسبهم بنقائه ومهنيته.
اتصل به أحدهم؛ شاكراً له على كتابته عنه. قال له : أنت أوردت عني أشياء أنا لا أعرفها عن نفسي. كيف فعلتها وأنت لا تعرفني ولم تعمل معي. ثم تابع : عادة أنا لا أتصل بمن يكتب عني؛ لكنني هاتفتك بعد أن قرأت ما كتبته عني لأنه مختلف؛ وأعرف أن كتابتك ليس وراءها مصلحة خاصة.
كانت الكلمات عند عمر المضواحي تزهر.
وكانت الحوارات معه تتوالى. وكنت أتحين مواعيد جدة، وأعتبرها من الفرص الأثيرة، أشترط عليه أن نلتقي لوحدنا.
 يختطف نفسه من أسرته وأصدقائه. نجلس ساعات تمضي سريعة، ... على أمل لقاء آخر. وكان بيننا موعد الأربعاء.
 لكنه آثر هذه المرة أن يغذ السير صوب مكة وترابها وجبالها وأشجارها وأماكنها التي ظل يكتب عنها كتابة المحب المتيم. 
يا أبا عبد المحسن؛ أنا حزين. جداً حزين. وها أنا أجلس في هذه الزاوية، أكتبك، وأكتب كل أحبابي الذين سبقوني.
قلت لابنتي رغد : مات عمر المضواحي.
دخلت غرفتي، وأجهشت بالبكاء. 
قال أحدهم في تويتر : زره يوم الأربعاء في قبره، ولا تقل شيئا.. فالموت والصمت  في مكة.. حياة.
جدة الأربعاء القادم، تصافحني، كغريب أضاع عنوانه الأثير.
رحم الله عمر المضواحي. وغفر له ولموتانا وموتى المسلمين.
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. 

الأحد، 3 مايو 2015

سياحة قطار الشمال

يبدو أننا أصبحنا على موعد وشيك مع التجوال والسياحة عبر أنحاء المملكة العربية السعودية، من خلال القطارات. والبداية الجادة ـــ بعد القطار العتيق الواصل بين الرياض والدمام ــــ ستكون من خلال قطار الشمال، الذي سوف يبدأ الرحلات التجريبية لنقل الركاب في غضون أسابيع قليلة. 

وتقول الشركة السعودية للخطوط الحديدية "سار" إن التشغيل التجريبي لقطارات الركاب سوف يبدأ قريبا، ويفترض أن ينطلق هذا القطار الذي يسير بسرعة 200 كيلومتر ابتداء من الرياض مرورا بالمجمعة والقصيم وحائل والجوف وانتهاء بالقريات. 

ولا شك أن هذا الأمر ستصحبه ثقافة جديدة، تتعلق بالاندماج بشكل أكبر في وسائل النقل البرية العامة. ومن الملاحظ أن هناك زهدا من العائلات في السابق عن التنقل عبر الحافلات العامة بين المدن، ولكن هذا الأمر أقل في التعامل مع القطارات، إذ إن بعض الأسر تلجأ له في التنقل بين الرياض والدمام. 

وبظهور قطار الشمال وإتاحته للركاب خلال الأسابيع المقبلة، لا شك أن المزيد من الأسر ستتحمس لخوض التجربة، خاصة أن سرعة القطار الجديد معقولة جدا، كما أنه أكثر أمانا من السيارات، وفيه راحة ورحابة تتيحان مرونة في الحركة أثناء السير. كما أنه يمثل خيارا جديدا في ظل الزحام الذي تشهده خطوط الطيران. 

ومن يدري فقد نشهد يوما، فيلما سعوديا، يتحدث عن رحلة من الرياض إلى قريات الملح، وتتصاعد من خلاله رؤى ومشاهد بانورامية عن الوطن والناس والسياحة.


شموخ أمة ووطن

استقرار السعودية، ركن أساس في تحقيق الأمن العربي. هي عمود الخيمة، وهي الملاذ بفضل الله، بعد أن تأرجحت أوتاد الخيمة العربية بانحسار دور العراق وتعثر سورية وتأزم الأحوال في ليبيا واليمن وسواهما. 

إن الصورة العربية تبدو في منتهى السوء، ولكن التفاؤل بدأ يسود مع استعادة مصر لدورها، وانخراطها مع السعودية ودول الخليج العربي ضمن تحالف “عاصفة الحزم” التي وقفت بالمرصاد للمصيدة الفارسية التي تستشري في الوطن العربي المنهك بالخلافات بين أبناء الوطن الواحد. لقد كان قدر السعودية، باعتبارها بلد الحرمين الشريفين، أن تكون محط أفئدة وقلوب العرب والمسلمين. وهي كانت ولا تزال، تمارس دورها بمسؤولية وجسارة. وهذا حتما لا يعجب من في قلبه مرض، فيفجر في خصومته، ولكن هذا الفجور يرتد عليه. ولقد كانت القرارات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله -، منذ توليه أمانة الحكم، تستحضر روح المسؤولية تجاه الداخل والخارج. 

ومن هنا فقد أطلق خادم الحرمين عملية “إعادة الأمل” إلى اليمن، التي جاءت استكمالا لمسيرة “عاصفة الحزم”، ودعمت السعودية التقارب ورأب الصدع وتأليف قلوب العرب.

وعلى الصعيد الداخلي، عزز الملك سلمان -يحفظه الله- التوجه لإعطاء الشباب الدور الأهم في إدارة شؤون البلاد، وكان التتويج الأكبر إثر طلب الأمير مقرن الإعفاء من الملك، بفتح المجال للجيل الثاني من الأسرة الحاكمة الكريمة، فكان اختيار الأميرين المحمدين ضخا للدماء الشابة يجعل صورة المستقبل -بإذن الله- واضحة المعالم، لا يكتنفها غموض أو ضبابية. 

لقد كان هذا الإجراء يمثل الطموح والأمل لكل محب مخلص. فالسعودية واستقرارها الذي تنعم به بفضل الله ثم بفضل قيادتها الحكيمة -هذا الاستقرار مطلب إقليمي وعربي وعالمي-. 

لقد أعطت بيعة المحمدين خلال الأسبوع الماضي من أبناء الشعب والأسرة الكريمة، رسالة مهمة: هذا الوطن عصي على خصومه، وشامخ بقيادته وشعبه الذي يعي نعمة الأمن والاستقرار. لقد كانت هذه الصورة التي تستمد ألقها من تاريخ عريق، استكمالا لما بناه الملك المؤسس -يرحمه الله- وبقية إخوانه الميامين.

الأربعاء، 29 أبريل 2015

أغلفة العنصرية

العالم ينوء بالعنصرية. لا يمكن استثناء أي مجتمع. النظرة إلى الآخر بانتقاص بسبب اللون أو الجنس أو الخلفية العرقية أو الثقافية أو الدينية مسألة أفضت إلى سلسلة من الحروب والفتن. 

في القرن الماضي، كان المشهد السائد حروبا بشعة في إفريقيا وأوروبا بسبب العنصرية المرتبطة بالدين أو العرق. 

البوسنة والهرسك شاهد حي، على الجور الذي تعرضوا له، هذا الجور يزعم مرتكبوه أنه جاء ردا على إرث تاريخي أليم صنعه العثمانيون عندما سيطروا على البلقان. كانت محاكمات مجرمي الحرب في البوسنة عنوانا مهما، حاول العالم من خلاله أن يرمم ضميره المثقوب. وبالصدفة فقد استعادت ذاكرة العالم خلال الأيام الماضية عملية الإفناء الممنهج لنحو مليون ونصف المليون من الأرمن، تلك جريمة ارتكبتها تركيا، وهي لا تزال ترفض الاعتذار عنها. 

ونحن في عالمنا العربي نشهد أكبر جريمة عنصرية في العصر الحديث، تمثلت في إقصاء الشعب الفلسطيني عن وطنه، وتحويله إلى مجرد هامش يرى أرضه يحتلها غرباء قادمون من كل مكان، بينما هو لا يكاد يتمتع بالحدود الدنيا للمواطنة كفلسطيني أصبح بلا دولة.

نفس الإنسان التي تتوسل بالعنصرية من أجل تكريس الاعتداد بالذات، هذه النفس تتكئ على مظهر من مظاهر الضعف والهشاشة. 

ومن الضروري الاعتراف بأنه يندر أن تجد إنسانا يتسامى عن هذا الفعل العنصري، حتى وإن قال سوى ذلك. 

لكن الضابط المهم لسلوكيتنا كبشر هو الشرع والقانون. لك أن تحب وأن تكره ما تشاء ومن تشاء، ولكن من المهم ألا تفضي هذه المحبة والكراهية إلى سلوكيات شائنة تستفز الرأي العام.


السبت، 25 أبريل 2015

الألم والتفاصيل الصغيرة

أمام الطبيب؛ لا تملك سوى الاستسلام والإذعان.

عندما تتألم، تهرول، تجلس منتظراً، تكابد القلق. يتأخر الطبيب عن موعده. يسبقك أحدهم؛ لأنه يملك واسطة أو يحمل توصية. تدلف بعدها، تتجاهل برضا هذا التأخير. يطرح عليك سؤالا عن شكواك، تاريخ الألم.

تحكي، يسرح قليلا، ولكنك تمضي في إجابتك. تستلقي على السرير. ألترا ساوند، لا بد منها، قبل التشخيص النهائي. لا مهدئات، قبل أن نرى النتيجة، أخشى أن أعطيك مسكنا للألم فتكتفي به. 

تنتقل إلى الأشعة. تنتظر ساعة وأخرى. المواعيد كثيرة. يقولون: انتظر؛ قد يتأخر أحدهم عن موعده. بعد سويعات تنتقل إلى غرفة الأشعة. 

تهمس لك الإخصائية: الفحص يستغرق نصف ساعة. تخلص من كل الأجهزة المعدنية. تضعك في صندوق يشبه التابوت. تضع لك سماعة على أذنيك، كي تخفف إزعاج الأصوات التي تدهمك. الضوء الأبيض الخافت، والتكييف الهادئ يخفف من شعورك بالوحدة. هذا هو الخط الفاصل بين تابوت صامت، وتابوت يقلب في جسدك، يسبر أغوار الألم. تدهمك الأسئلة الصعبة عن الموت والحياة.

تتداعى لك صور الذين غابوا. حكاياتهم. ضحكاتهم. أرقام هواتفهم التي تحفظها السحابة الإلكترونية، وتعيدها إليك مع كل تحديث تجريه. الحذف لا يجدي. تقفز رسائلهم عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. 

تمر نصف الساعة، بعد أن تستعرض مسيرة عمر وقصة حياة. تخرج من هذه التجربة، تمضي مبتعدا، تتهيأ لموعد آخر مع الطبيب الذي اعتاد على الحياد تجاه آلام الناس. 

يهاتفك الأصدقاء في الجريدة: المقالة لم تصل بعد. تتهيأ للكتابة. يتحدث معك صديق عبر الهاتف؛ يسألك: أين أنت؟! تبدأ في سرد قصتك، يقاطعك مرة أخرى: ما هي أخبارك؟ تبتسم. تتذكر أن الناس يريدون كلاماً عابراً وسريعاً، دون أي تفاصيل. 

التفاصيل لا يأبه بها سواك.


الخميس، 23 أبريل 2015

مبادرة نسرين



تسلقت الدكتورة نسرين الحقيل قبل بضعة أسابيع قمة إفرست؛ في رحلة هدفها التعريف بجمعية دعم إضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه "افتا".

وتقول طبيبة الأسنان التي تحدثت لصحيفة "الرياض" أمس إنها قررت دعم الجمعية السعودية وتسليط الضوء عليها ونشر ثقافة التعامل مع المصابين بفرط الحركة، من خلال هذه المغامرة. 


من المؤكد أن لفت الانتباه إلى المبادرات الإنسانية والاجتماعية من الأمور المهمة. وأظن أن بادرة الدكتورة نسرين تستحق التنويه.

إذ بعيدا عن أي إسقاطات قد يقرأها البعض؛ لكن هذا الفعل يعكس صورة من صور بناء الوعي المجتمعي تجاه قضايا مهمة.

ومن المؤسف أن حماس مجتمعنا لهذه القضايا لا يزال محدودا. والجهود التي تبذلها الجمعيات ذات الاهتمامات الإنسانية والصحية تستحق التقدير. 

وأستحضر هنا بشكل سريع أسماء بعض هذه الجمعيات مثل جمعية التوحد، وجمعية نقاء، وجمعية أيتام، وجمعية رعاية الأطفال المعوقين.. إلى آخره.

وأنا عندما أتحدث عن اهتمام المجتمع؛ أجد أن من اللافت أن المنخرطين في هذه الجمعيات تطوعا وعملا لا يزال محدودا. 

وهذا أمر تشارك في تحمل مسؤوليته الجمعيات أيضا؛ إذ إن خطابها التقليدي، وصوتها الخافت، ناتج عن الارتهان إلى التقليدية التي تجعل صوتها يعلو في المناسبات فقط، بينما يتوارى هذا الصوت في أوقات أخرى.

من هنا فإن المبادرات الملهمة، مثل ذلك التحدي الذي خاضته الدكتورة نسرين، يقدم نموذجا مهما في كيفية تسويق فكرة العمل التطوعي ودعمه.



الأحد، 19 أبريل 2015

صناعة الهدوء


تعصف الأشياء الصغيرة من حولك فتتسلل إليك كل السلبيات التي تصل عبر "واتساب" و"تويتر" و"فيسبوك"... إلخ. لكنها تتضخم في داخلك، إن استسلمت لها. 

لكنك لست سوى جزء هامشي ضئيل من العالم. لا تملك حلولا ناجعة. وليس صحيحا أن عليك الاهتمام بما يحدث في كل مكان، وأن يكون لك رأي فيه، فبعض الآراء ليست شأنك، فلماذا تشغل نفسك بها أصلا؟

الهدوء في الداخل مهمة تبدو صعبة في بعض الأحيان، لكنها ليست مستحيلة. 

صعوبة هذا الأمر أن البعض يتفنن في ضخ وتبني الصور والأخبار السلبية، وهو يتفنن أيضا في إفساد الأخبار الإيجابية، إذ إنه يؤمن أن نشر السلبية مهمة حتمية بالنسبة له في الحياة.

مثل هؤلاء، من الجيد أن يسعى المرء إلى عزل نفسه عنهم، بحيث إنه يراهم وكأنه لا يراهم، وليس القصد حتما الاحتقار، ولكن الهدف النأي عما يشيعونه من سلبية وسواد.

إن أغالب العداء الذي يستحكم بين أفراد مجتمعاتنا، أساسه خلافات على أمور لا تعنينا ولا تمسنا بشكل مباشر. 

هناك من يريدك أن تكون نسخة من سفاحي "داعش" أو المليشيات الشيعية، وأن تؤيد وجهة نظره التي تنحاز إلى هذا الطيف أو ذاك. وقد يقرر ألا يحبك لأنك لا تريد أن تكون لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء. مثل هذا الشخص، تجاهله والبعد عن التقاطع معه لا ضرر منه. بل إن هذا من الأمور التي تزيد من إيجابيتك. 

لقد كانت أكبر جنايات التطرف، أن البعض صار يتحسر ويتألم لأمور تقع في أقصى بقاع الأرض، ولكنه يتعامل بمنتهى السلبية مع شؤون أكثر التصاقا به.

لا يمكن أن تستسيغ أن يمارس شاب العقوق تجاه أسرته ووطنه، ثم تراه يردد كلمات كبيرة وفخمة، سرعان ما تناقضها تصرفاته وواقعه. 

باختصار: لا تكن جزءا من إنسان فاشل في حياته الحقيقية، قرر أن يكون مصدر فشل وتثبيط لمجتمع بأكمله.


إنقاذ اليمن العربي


كانت المبادرة الخليجية لترتيب أوضاع اليمن، خيارا يسعى إلى الحفاظ على وحدة اليمن ومقدراته. لكن فئة من فئات المجتمع هناك، بإيعاز ودعم من إيران، أرادت أن تستأثر بكل شيء. وهكذا بدأ ضرر الحوثيين الذين ارتضوا أن يكونوا وكلاء لإيران يتزايد، وأصبح المشهد اليمني وإيقاعاته، بالهيمنة الحوثية عليه، يهدد بالقضاء على الدولة اليمنية الوليدة، كما أنه ينسف كل ما توصل إليه المتحاورون اليمنيون، وفقا للمبادرة الخليجية. 

أصبحت إيران تتبجح بأن لها وجودا وتأثيرا في عواصم عربية منها صنعاء. لم يعد الضرر على اليمن داخليا، بل صار يهدد الجيران والإقليم. هذا التآكل الذي عمل الوكيل الإيراني على إنجازه، وكاد ينجح فيه، تم تداركه بعد أن توالت الاستغاثات والمناشدات من الحكومة اليمنية الشرعية، وكان آخرها دعوة الرئيس اليمني الشرعي للسعودية ودول الخليج للمساعدة، خاصة أن قوى الحوثيين ومن ورائهم الرئيس السابق والقوى التي لا تريد خيرا لليمن، كانت تقف على أعتاب عدن، ملاذ الرئيس الشرعي بعد احتلال صنعاء من الحوثيين. 

خلاصة ما سبق، كانت اليمن بحكومتها الشرعية، والعالم العربي والمجتمع الدولي، أمام خيارات محدودة: إما السكوت حتى تكتمل الهيمنة الإيرانية على المنطقة، وإما السعي إلى مساعدة اليمن على النهوض من جديد.

ومن هنا، كان القرار الذي اتخذته السعودية ودول الخليج ومصر وبقية حلفائها لإطلاق عملية «عاصفة الحزم». إن هذه العملية التي استهدفت الفئة الباغية على أشقائها في الوطن، لم تأت إلا بعد أن رفضت هذه الفئة كل الحلول، بما في ذلك طاولة الحوار بين مختلف الأطياف في الرياض أو الدوحة. ولم تنجح مبادرات الأشقاء، كما أن مبعوث الأمم المتحدة لم يحقق أي نجاح في مهمته، بل إن البعض اعتبر أن وجوده فاقم الأوضاع وأسهم في تعقيدها. إن المتابع للمشهد اليمني يدرك أن القلق الذي تسبب فيه الحوثيون في اليمن، قد انعكس على نخب كانت تنظر بتوجس إلى المبادرة الخليجية، وهي الآن أصبحت من أكثر المتحمسين لها؛ لأنهم أدركوا أنها تمثل أفضل الممكن.

ولا شك أن خاتمة هذا المشهد، كما يأمل كل المحبين، ستكون حوارا متكافئا بين كل الأطياف في اليمن، تحت مظلة خليجية وعربية، تسهم في إعادة اليمن العربي إلى أشقائه، مستقلا شامخا بعيدا عن الهيمنة الصفوية التي لا تريد خيرا للعرب.

انحسار الاستقواء الفارسي


طلبت الحكومة الشرعية في اليمن من أشقائها في السعودية وبقية دول الخليج (العربي) ودول التحالف، مساندتها ضد الاستقواء الفارسي، الذي يريد فرض طيف مذهبي بشكل قسري. 

كانت انطلاقة "عاصفة الحزم"، يقظة عربية أصيلة، حاول الشعوبيون استهدافها، لكنها كانت قوية بعون الله؛ ثم بعزم وتعاضد العرب.

لقد بدأ العالم يتلمس انحسار هذا الاستقواء، وبدأت ذيول الهزيمة والخيبة تلاحق معسكر الخسران، الذي صال وجال، لكن مخالب "عاصفة الحزم" النبيلة، لم تترك للمعسكر الشعوبي الفارسي أي سبيل للفكاك، من كماشة هذا التحالف العربي الأصيل.

عندما نقول هذا الكلام، لا نسلك طرحا عنصريا بغيضا، فإيران وأشياعها في اليمن كانت تمعن في تغيير الهوية هناك بمنتهى الشراسة والصلف. 

خيار "عاصفة الحزم"، للضرب بيد من حديد، على هذه المحاولات، كان ولا يزال يهدف إلى تحقيق الخلاص لليمن من أقطاب المؤامرة، وإشاعة الأمن والسلام في هذا البلد، الذي أراد الشعوبيون الفرس تقويضه هناك. 

كادت المؤامرة تكتمل، لولا تداعي الأشقاء بقيادة المملكة العربية السعودية وبقية أعضاء التحالف، لتدارك هذا المسلك الإيراني الأهوج.

كانت "عاصفة الحزم" صولة حق ضد باطل طال أمده. إذ عملت إيران على مدى سنوات، على تقوية حلفائها هناك ودعمهم بالأسلحة، وفكر تصدير الثورة، والتغيير الثقافي من خلال المنح الدراسية في قم، وإشاعة الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

من هنا يمكن فهم هذا النعيق، الذي يتردد صداه، مع بدء انحسار هذا الاستقواء، وانكشاف أبعاد هذه المؤامرة، التي كان يراد لها أن تكون موطئ قدم صوب مساحات عربية أخرى، بدأت في لبنان، مرورا بالعراق، ثم سورية .. إلى آخره. 

إن بعض الإيرانيين العرب، ومن ورائهم الفرس، يجدون في هذه الانتصارات علامة تشير إلى بدء انحسار هذا الاستقواء. ولهذا هم يواصلون الصراخ، لكن قافلة "عاصفة الحزم" تسير، مدعومة بالقوة والنوايا والأفعال النبيلة، لمساندة اليمن وشعبه وحكومته الشرعية. 

إن قوة الخليج العربي وأمنه من أمن اليمن، وأي طرح خلاف ذلك هو مجرد صدى لحلم صفوي بغيض؛ بدأ يتأرجح ويتداعى. ولا شك أن ما بعد "عاصفة الحزم"، سيكون أمام دول الخليج العربي، وكل الطيف العالمي المساند والمدعوم بالإرادة الدولية، مهمة ثقيلة، تتمثل في إعادة تأهيل اليمن. المهمة النبيلة تبدو صعبة، ولكنها مدعومة بإرادة وعزيمة من قيادات وشعوب دول مجلس التعاون في الخليج العربي.

حفظ الله أوطاننا العربية من كيد الكائدين.

الثلاثاء، 13 يناير 2015

تدوينة عابرة : عن شارلي أبدو وأنصار إيران وداعش : كلهم ضد الإسلام

أشعر بحزن شديد، لإصرار شارلي أبدو على الإساءة للرسول الكريم  ﷺ، بنشر مزيد من الصور الساخرة من نبينا ومن ديننا. وأشعر بالحزن أيضا للتبريرات التي يقدمها البعض لما أقدم عليه مستهدفي الصحيفة والسوبر ماركت التي أفضت إلى مقتل نصارى ويهود وجندي فرنسي مسلم أيضا. 
كما أنني حزين لأن أصوات العداء للإسلام تتزايد. 
لقد قدرت كثيرا مواقف الدول العربية والإسلامية - وفي مقدمتها المملكة ودول خليجية -  التي شاركت في التضامن مع فرنسا - رغم أن هذا الكلام قد لا ينسجم مع رؤى بعض الأصوات التي تفتقد لحصافة قراءة واقع الصورة وتداعياتها.
لقد ثمنت كثيرا موقف المغرب الشقيق الذي قام بأداء واجب العزاء، لكنه لم يشارك في التظاهرة احتجاجا على حمل شعارات مسيئة للنبي ﷺ خلال التظاهرات. والموقف المغربي يعتبر منسجما مع عواطف ومشاعر الجالية المسلمة هناك، التي تتعرض لضغوط بسبب الحادث الإرهابي الذي جعل من أدانوا تجاوزات شارلي أبدو على الرسول الكريم يعبرون عن موقف متشدد بسبب بشاعة الاعتداء.

إن الساحة العالمية تضج بالتطرف والمتطرفين من كل لون ودين، ومن التطرف استهداف الإسلام ورموزه بالإساءات. 
لكن علينا دائما أن نتذكر إن جنوح البعض للتعامل مع مثل هذه الإساءات بشكل مسلح، أمر ضار جدا، ويعزز النظرة التي يصر البعض في الغرب على تكريسها عن المسلمين، باعتبارهم من أنصار العنف.
 ومن المعلوم أن التورط في الإساءة للأديان - السماوية وغير السماوية - أفضى قديما وحديثا إلى فتن وحوادث خطيرة. 
وعندما بدأ بعض الأفراد والجماعات المحسوبة على الإسلام في تقديم اجتهادات خاطئة، أفضت القصة إلى مزيد من الأذى للصورة الذهنية للمسلمين.
 عندما أصدر سلمان رشدي روايته آيات شيطانية، أرادت إيران أن تمارس مزايدة على المسألة؛ فأهدرت دم  رشدي الذي أساء في روايته إلى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها.
 كانت هذه المزايدة محض متاجرة فجة، مارستها إيران وامتطى موجتها بعض المغرر فيهم من الأفراد. 
لكن هذه المتاجرة الفجة، أعطت مشروعية لفكر القتل، وإهدار الدم. 
هي نفسها إيران التي استضافت رموز القاعدة وآوتهم، وأطلقت إسم قاتل الرئيس السادات على أحد شوارع طهران. 
وهي نفسها إيران التي لا تفوت أي  فرصة سانحة للإساءة إلى المملكة العربية السعودية ورموزها، وبقية دول الخليج العربي.
هذه التناقضات الإيرانية لا يمكن القفز عليها، وربما من المهم استحضارها في هذه اللحظات الحرجة.
الحقيقة إنه لا يمكن قراءة صور التطرف بمعزل عن المحاضن التي تؤجج هذا التطرف، ... أول هذه الأمور التفسيرات الخاطئة للدين، والارتهان إلى رؤى تختزل النظرة إلى الحق - حسب فهمهم - وإقراره بالقوة التي تفضي إلى الأذى والقتل وإفساد الحياة.
 وهناك دول - إيران في مقدمتها - تستخدم المكون السني والشيعي، بشكل يخدم ويعلي من مصالحها. وهي ذاتها التي كانت ولا تزال تمد يدها للمتطرفين من السنة؛ كما أنها تتسلل إلى هذا البلد أو ذاك في مسعى للتغيير المذهبي كما يحصل حاليا في اليمن والسودان وبلدان آسيا الوسطى.  
 إن الذين يزايدون عن الإسلام، يصبغون الدين بصبغة الاقصاء. وهذا الأمر لا يمكن أن يكون صحيحا. 
عندما تؤدي صلاتك تردد كلمة السلام في التشهد الأول، وتختم صلاتك بالسلام يمينا وشمالا. 
وعندما تقابل إنسانا تبادره بالسلام.  هذه الممارسة المستمرة، وهذا الجنوح المتواتر صوب السلام ثم السلام ثم السلام؛ يغيب عن ذهن المتطرف؛ فيأتي بأفعال تتقاطع مع هذا الأمر وتتضاد معه. 
لا يمكن للمسلم السوي، أن يستسيغ ما تفعله بوكو حرام أو القاعدة أو داعش أو جبهة النصرة أو حزب الله أو سواها من أجنحة التطرف، التي يجد البعض منها محضنا في إيران، كما هو الحالبالنسبة للقاعدة وحماس وعدد من الجماعات الاسلاموية المصرية والسودانية وسواها . 
هذه التيارات، التي تشجعها إيران بشكل مباشر أو غير مباشر، أشغلتها السياسة والغلو عن النظرة العادلة للأمور؛ وقد أفرزت كتابات المقدسي وسواه من أقطاب التطرف أجيالا تلقت العلم الشرعي مشوها؛ فأصبح تغيير المنكر - بزعمهم - يفضي إلى القتل والدمار. 
لقد وصل أذى التطرف إلى الأقليات المسلمة في أوروبا، وهاهي القوانين هناك تتجه لمزيد من التغير والتشدد، وصار التهيب والتربص يصوغ حياة المسلمين هناك.  
لقد أفسد التطرف السني والشيعي على العراقيين بلدهم، كما أنه جعل سوريا تتعثر، وهو نفسه أودى بالسلام في اليمن، ويهدد العالم أجمع.
 وقد أعطى هذا التطرف مبررات للأصوات الكارهة للإسلام والمسلمين لإعادة طرح فكرهم الإقصائي الذي يؤكد استحالة التعايش مع الإسلام. 
هذا الجور والظلم، الذي يتمدد وينحسر؛ جعل الإساءة للقرآن والرسول الكريم  ﷺ أحد الخطوط التي يتم استخدامها للمزايدة على قضية الحرية.
 وكان هناك عقلاء يؤكدون أن هذه ليست حرية، لكن أولئك وجدوا أن الانتقام من المسيئين واستهدافهم جسديا أمر مرفوض. 
القضية تبدو شديدة التعقيد؛ التطرف يعطل التعايش بين أفراد المجتمع، ويجعل الحياة جحيما على الجميع. وإيران في هذا الواقع غير المستقر، تجد نفسها أكثر أمانا. فالأعداء الذين تصنعهم يتلقون الضربات نيابة عنها.

* هذه التدوينة عبارة عن مقالة تجاوزت المساحة المسموح بها؛ فآثرت أن تكون هنا لا هناك.