الخميس، 13 نوفمبر 2014

تراثنا العمراني

في فيلم يستغرق نحو 42 دقيقة، أنتجته الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع مؤسسة التراث، ثمة رصد لبعض جهود الحفاظ على التراث العمراني في مناطق المملكة. عرض الفيلم لقطات من جدة التاريخية، الهفوف، الغاط، والدرعية. الفيلم الذي يحمل اسم "رواد التراث العمراني" أعطى نماذج عديدة مثل قصر سلوى وحي الطريف في الدرعية، وقصر الغاط، والقرية التراثية في أشيقر، وبيت نصيف ومواقع أخرى في جدة التاريخية، وقصر إبراهيم، ومسجد الجبري والمدرسة الأميرية في الهفوف...إلخ. يكشف الفيلم أن أمانات المناطق ضخت في 2012م نحو 800 مليون ريال للعناية بالتراث العمراني. هذه تعد نقطة تحول مؤسسي تحققت بتحفيز وتعاون بين الهيئة العامة للسياحة والآثار وشركائها، وأدى ذلك إلى توجه البلديات لإنشاء أقسام للعناية بالتراث العمراني. ينظر الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى تكريم رواد التراث العمراني من خلال مؤسسة التراث، باعتبار أن مواقع التراث العمراني ليست مجرد مبان، إذ هي تروي قصصا للأماكن، وتقدم منظومة للقيم التي حملها الأجداد، وهذه القيم هي التي صاغت الصورة المميزة لوحدة هذه البلاد. ويأمل الأمير سلطان أن يكون هؤلاء الرواد قدوة للأجيال الجديدة. الفيلم يرصد تطورا شاملا يضيء الصورة، ويشيع الفرح في نفوس المتحمسين للعناية بالتراث العمراني. هناك حاجة إلى زيادة الوعي بأهمية التراث العمراني، هذا الأمر بدأت ملامحه تتشكل. لكن علينا الاعتراف بأن إقبال الناس على زيارة المتاحف والأماكن التراثية لا يزال أقل من المأمول. إثراء الوعي مهمة مشتركة، ومؤسسات التربية والإعلام شركاء أساسيون فيها.

رابط الفيلم للمشاهدة  : www.youtube.com/watch?v=UuqDhj4-Tjc

الأحد، 2 نوفمبر 2014

المخدرات الرقمية

تسمع موسيقى معينة، فتتملكك الرغبة في تناول نوع من الطعام: هامبرجر، بروست... إلخ. تدخل إلى محل، فتتسرب إلى أنفك روائح تحفزك على سلوك شرائي معين. كل هذه التفاصيل، يتم تطبيقها وتأتي ردود الأفعال عليها بطريقة لا شعورية. وهناك حديث لا ينتهي عن موسيقى صاخبة تبعث رسائل خفية تحرض وتحفز على القتل. 

أخيرا بدأت الشكوى تتزايد عربيا من تأثيرات المخدرات الرقمية. والمخدرات الرقمية عبارة عن ملفات موسيقى يتم تسويقها من خلال الإنترنت، وهذه الملفات تعطي من يخضع لها إحساسا شبيها بإحساس من يتعاطى المخدرات. ولا يحتاج الأمر سوى سماعة في الأذن وتعليمات أخرى مصاحبة للدخول في نفق المخدرات الإلكترونية. 

والحقيقة أن الفديوهات التي ترصد حالات من يتعاطون هذه الآفات سمعيا، تعكس خطورة تسلل مثل هذه الممارسات إلى العالم العربي. والتحدي يبدو كبيرا أمام مؤسسات التربية وأمام المجتمع والأسرة. فالأجهزة الذكية نعمة قد تتحول إلى نقمة. ولا يمكن لأي إنسان الزعم أن بإمكانه إحكام الرقابة على المحتويات التي يتلقاها النشء. 

من المؤسف أن تجد منتديات محلية على الإنترنت تروج لمثل هذه المخدرات، وتحفز البعض على تجربتها، في ظل جهل كثيرين بهذا الداء الذي يتسلل بصمت. 

وأظن أن الإجراء الذي تم الإعلان عنه من قبل اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، بوجود تنسيق بين الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وهيئة الاتصالات لمواجهة هذه الظاهرة. 

لكن من المهم أن يكون هناك وضوح في التعاطي مع المسألة ورسائل إعلامية وتربوية واضحة، تحذر الجيل الجديد من التعرض لمثل هذه المخاطر. 

إن هذا الأمر مهم. فالوقت لم يعد يعترف بالصمت حتى لا يتأثر البعض بالتوعية بشكل مضاد. فهذا الكلام - رغم وجاهته - تضعفه أسوار العولمة المفتوحة.

الخميس، 30 أكتوبر 2014

سفاري دبي

دبي غدت واحدة من الوجهات القريبة التي يختارها السائح الخليجي، كما يختار البعض أبها أو صلالة وسواهما في الصيف. والحق أن هذه وجهات تستحق أن تتجه إليها بوصلة السائح. كل مكان من هذه الأماكن له مزاياه، وله أحيانا عيوب تتفاوت من مكان إلى آخر.
في آخر زيارة شخصية إلى دبي، طلبت من الفندق الذي أسكن فيه، أن يحجز لي فيما يسمى Desert Safari Dubai أو سفاري دبي. وهي عبارة عن رحلة وسط الرمال، تستغرق نحو ثلاث ساعات، تأخذ شكل المغامرة من خلال "التطعيس" ثم تنتهي باستراحة يمكنك من خلالها ركوب الجمال والتصوير، وبعدها تناول العشاء مع عروض فنية.
اللافت أن سفاري دبي لا يقدم للسائح الشخصية التراثية الإماراتية، من خلال العروض المقدمة، ويبدو أن من وضع رؤيتها أراد لها أن تحاكي المخيال المستمد من ألف ليلة وليلة. وقد يكون المبرر أن غالبية من يرتادون مثل هذه العروض هم من الغربيين بالدرجة الأولى.
في المحطة التي توقفت عندها القافلة، والتي تضم محالا لبيع التحف ودورات مياه بائسة جدا وغير نظيفة، يمكنك أن تلمح غيبة عين الرقيب. لن ترى في رحلتك وجها مألوفا، فالسحنات الآسيوية هي التي تتولى كل شيء.
ولأن المشروع تجاري بعقلية غير محترفة، فلا تحاول أن تمني نفسك بوجبة عشاء حقيقية، فالطابور الطويل والتنظيم الرديء يوحي لك بأنك تقف في أحد الملاجئ كي تحصل على وجبتك الموهوبة، وعليك أن تتقبلها بمنتهى الرضا والقناعة.
سفاري دبي مختلف تماما عن ما يكتبه البعض بمنتهى الانبهار بخصوص فعاليات أخرى.
بالمناسبة : ألا نجد عندنا في السعودية مستثمرا يستفيد من تسهيلات الهيئة العامة للسياحة والآثار، من أجل تصميم وعمل بانورامي، في الصحراء، يمكنها أن تكون مزارا ثابتا للمقيمين والزائرين للمملكة للتعريف بالموروث الشعبي المحلي؟

ما دين أولئك؟



ما زلت أصر على أن هناك شيئا سيئا، لا علاقة له بالتدين، قد سلب عقول بعض الشباب في مجتمعاتنا، فتحولوا إلى أداة هدم وتشويه باسم الدين.
كان الإنسان الصالح يحظى بتقدير ومحبة الجميع. ذلك أن هذا الإنسان كان رحبا، لطيفا، بشوشا، ولم يكن يخلط عمله الصالح بأوحال المذهبية والطائفية والعنصرية.
هذا الخليط من البذاءة تراه يجتمع حاليا في الأدبيات التي تفرزها خطابات التطرف لدى تيارات التشدد والغلو من السنة والشيعة. ويدعمها في هذا العزف المنفر، فضائيات تمثل هذا الطيف أو ذاك.
كثيرة هي التصنيفات التي تم تسويقها بدأب، ولم تكن الأجيال السابقة تلتفت إليها. لكن إفرازات ما كان يسمى الصحوة في حقبة مضت، تحولت إلى ما يشبه حوصلة طائر شرير، تتشكل من خلاله صورة مشوهة للإسلام والمسلمين.
من اللافت في عدد من حوادث الإرهاب، أن الإرهابي ينتقل من تطرف إلى تطرف أشد، إذ إنه يغوص في أوحال المخدرات والضياع، ثم يغوص في أدران الغلو والتطرف.
لذلك كنت وما زلت أقول إننا بحاجة إلى سماحة شيبان المسجد في الزمن الماضي. هذا هو الدين الحقيقي، الذي ينعكس على الشخص تعاملا راقيا ومراعاة للنفوس.
التجييش والتحريش الحالي، أصبح يتسلل حتى من خلال المحادثات المتاحة في ألعاب الإنترنت.
إن خطابات الغلاة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تدفعك للسؤال: ما دين أولئك القساة الغلاظ السفهاء؟! هذا الاستنكار المشروع، يستحضر دوما أن جوهر الدين عمارة روح الإنسان وبناء الأوطان.

في القراءة



هيأت وسائل التقنية الحديثة فرصا أعلى للقراءة، وأصبحت القراءة الإلكترونية تستحوذ على جزء مهم في حياتنا اليومية. أنا أجد متعة في القراءة عند كل لحظة فراغ تسنح لي. لا أقول هذا الكلام للتباهي، إذ أشعر أن هذا سلوك شائع.


حتى الشباب والفتيات، الذين يشكو البعض من كونهم لا يقرأون، وضعتهم وسائل التقنية الحديثة في محيط محفز على القراءة.

هنا يأتي دور الانتقاء والاختيار، في قراءة مواد ترتقي بالذائقة وتنمي ملكات ومهارات التفكير والإبداع.

التثقيف حاليا، لا يتم بمجرد حملك كتابا، رغم ما في هذا الأمر من جمال.

هاتفك المحمول أصبح يضم عشرات الكتب والمجلات والصحف التي يمكن أن تتصفحها بمنتهى السهولة.

القراءة فعل حياة، وهي تؤسس الإنسان وتصوغه بشكل أكثر عمقا. وهي مثل سواها من المحتويات البصرية والسمعية التي تخاطب العاطفة والعقل، تترك أثرا بشكل لا شعوري.

ما لم تحقق القراءة للإنسان الرقي والوعي، فإن العيب ليس في القراءة، ولكن في المحتوى الذي يقرأه المرء.

إن القراءة الإلكترونية، تضعك أمام مسؤولية اختيار المحتوى الذي ينسجم مع ذوقك، وهذه كانت في السابق تخضع لمؤثرات تقلل من حدة التعرض المباشر. الآن أصبحت الأمور مفتوحة، هذا يعني أن التحدي أكبر، لكن هذا التحدي هو الذي يعطي المناعة الحقيقية، ما لم يتحكم في المسألة أشرار العالم الافتراضي.

أدعو الشباب والفتيات لانتهاز هذه الآفاق الإلكترونية التي لم تكن متاحة للأجيال السابقة، من أجل صياغة وعي يؤهلهم كي يتمتعوا بالمهارات والمعارف والوعي الحقيقي، بعيدا عن ثقافة الساندويتش السطحية والهشة.

وباء اسمه الإدمان



يمكن النظر للإدمان باعتباره وباء، يعطل خلايا الدماغ، فيتحول المرء إلى شخصية أسيرة، مسلوبة الإرادة، وردود أفعالها تجاه المحيط الخارجي تتباين، وتصل إلى أقصى حالات الشذوذ الإنساني المتمثل في إيذاء الأم أو الأب أو الأشقاء والشقيقات. هذه الصورة القاتمة يجهلها كثير من أفراد المجتمع، كما أنهم يجهلون أصلا مظاهر الإدمان التي قد يعانيها الابن أو حتى الابنة. والنتيجة أن الغالبية لا يكتشف أن ابنه مدمن إلا بعد مرور أعوام، والبعض الآخر يتستر على الأمر ويحاول أن يتصالح معه، بدعاوى كثيرة يأتي في مقدمتها الخوف من العيب. لكن المسألة تستفحل لتبدأ الممارسات المرعبة التي تستهدف انتزاع المال من الأسرة بالقوة، وأحيانا سرقته أو توفيره من خلال السعي لبيع أي شيء، بكل ما تحمله عبارة "أي شيء" من شمولية.
البارحة الأولى تشرفت بدعوة كريمة من عبدالإله الشريف أمين عام اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، بمعية كوكبة من الكتاب في الصحف المحلية. كان اللقاء فرصة سانحة لاستعراض جهود المملكة العربية السعودية من أجل التصدي لشرور المخدرات. إن آفة المخدرات أصبحت ظاهرة عالمية، والحرب الفاضلة التي تخوضها الأجهزة الأمنية حققت نجاحات لافتة، لكن هذا الأمر لا يعني أننا أصبحنا في منأى عن الاستهداف المقصود لأسباب مختلفة، بعضها في رأيي فعل عمدي من الخارج يهدف إلى تغييب عقول الأجيال الواعدة من الذكور والإناث.
إن المخيف أن تدرك أن مستشفى واحدا لمعالجة حالات الإدمان على سبيل المثال يستقبل يوميا نحو 70 حالة إدمان. هذا رقم مخيف. والأمر يتطلب مبادرات لبناء مزيد من المستشفيات التي يشارك فيها القطاع الخاص. المعلومة المخيفة، أن الإدمان كلما تأخر علاجه، يتحول إلى عاهة، وبالتالي فإن إخراج السموم من جسد المدمن، لا يعني ضمان عدم عودته للإدمان مرة أخرى. حاولوا الاقتراب من أبنائكم وبناتكم. لا تعزلوهم أبدا. الجامعات والمدارس والاستراحات قد تكون أوكارا للإدمان. الأرقام مخيفة. الدراسات مليئة بالتفاصيل المرعبة. ساندوا جهود مكافحة المخدرات، بمنع من تحبون من الوقوع في أفخاخها المشرعة.

الأحد، 1 يونيو 2014

حارس الحجر الأسود

خمس مهام يمارسها حارس الحجر الأسود، بحسب تقرير نشرته صحيفة مكة الأربعاء الماضي ونسبته إلى مصدر في قوة أمن الحرم المكي بين هذه المهام: مراقبة المتطفلين من العبث بالحجر الأسود، وتنظيم المتجمعين حول الحجر لتقبيله، ومتابعة الطواف من مكان مرتفع ...إلخ.

ولكن صورة حارس الحجر الأسود وهو يتكئ ليرتاح برهة، فتحت الأبواب لتفسيرات وتأويلات، وفتحت المجال للتطاول والأذى الذي يمتزج بين الغيرة الدينية المعتبرة، وبين الكلام لمجرد الكلام.

الحقيقة أن رجال الأمن في الحرمين الشريفين وفي الأماكن المقدسة يؤدون أعمالا جليلة، وهم يتحملون في سبيل ذلك التعب والعناء.

ووجودهم إلى جوار الكعبة المشرفة وفي مختلف أرجاء المسجد الحرام ضروري جدا، والأمر نفسه عند الحجر الأسود إذ لا غنى عن وجود رجال الأمن هناك. وتدافع الناس هناك كلنا يعرفه ويدرك مخاطره. ناهيك عن بعض التصرفات الفظة التي يمارسها بعض الطائفين.

هذا الأمر وسواه من الأمور تجعل التربص بهؤلاء الرجال وتصيد بعض أخطائهم العفوية، مسألة تحتاج إلى أناة وتمحيص.

إن تصنيع الرأي العام وتهييجه أمر يمارسه البعض باحتراف. ليس هنا مجال تشكيك بالدوافع الطيبة والحسنة لمن قام بالتعليق غاضبا، لكن في المقابل لننظر إلى الصورة بعين الرأفة والشفقة والعدل: تخيل نفسك واقفا وسط هذا البحر البشري المزدحم. إن الله غفور رحيم. وبعض البشر قلوبهم هي إلى الصخر أقرب، سامحهم الله.

هذا ليس تبريرا، ولكنه قد يكون فرصة سانحة، لإيجاد طريقة تجعل رجل الأمن يؤدي واجبه، دون أن يكون عرضة لعدسة تبحث عن السلبي فقط.

السبت، 24 مايو 2014

عزلة هاتفية



تعودت أن أتوقف عن الكلام، عندما أجد صديقا ينحني على جواله وهو يستمع إلي. أعتقد أن البعض يتحسس من صمتي، لكنني عادة أقول، إن انشغال إنسان بهاتفه وأنت تتحدث إليه من البلايا التي صارت شائعة، لكنها تظل تصرفا مستفزا.

لكنني ألاحظ أن هذا السلوك شاع بين الأبناء والأزواج والزوجات والأصدقاء. حتى وقت غير بعيد، كان المرء يتحسس من الرد على هاتفه؛ عندما يكون جالسا مع صديق إلا في حالات الضرورة القصوى.

أما الآن فإنك تجلس إلى صديق وتتحدث إليه بينما هو منهمك بحديث آخر على الواتس أب أو سواه من وسائل التواصل. لكن أسوأ ما واجهته الأسبوع الماضي، طبيب في أحد المستشفيات الخاصة، دخلت إليه في عيادته وكان يقاطعني بين وقت لآخر كي يرد على هاتفه للحديث مع أصدقائه.

عندما خرجت من العيادة، قررت ألا أعود إليه، واستغنيت عن دوائه، إذ إن انشغاله بالكلام على الهاتف والرد على الرسائل أشعرني بأن هذا الطبيب وصل إلى عيادته مرغما وليس بعيدا أن يصف لك دواء غير مناسب، فعقله كان مشتتا بين الهاتف والواتس أب.


الأحد، 18 مايو 2014

عناد الوعي



ما أكثرها دروس الأخلاق من حولنا: المشكلة أن المعلم غالبا لا يطبقها فما بالك بالمتعلم.

هذا يفسر الكثير من الأمور.

رسائل الوعي يقتلها عناد الوعي. لا أحد مثلا يجهل خطورة التهور في القيادة، لكن من النادر أن تجد من يتصالح مع هذه الحقيقة وينسجم معها في سلوكه العام.

العناد ضد ممارسة الوعي، يقابله شح شديد في الحزم والصرامة من أجل تطبيق القانون.

يتحجج البعض بالقول إن طاقة المرور لا تسمح له بوضع دوريات سيارة وراجلة في كل شارع.

المشكلة أن هذه وتلك يصاحبهما أمور مربكة: الشخص الذي ارتكب خطأ ضد أناس أثناء قيادته لسيارته، يتأفف عندما يخطئ عليه شخص أكثر رعونة منه. في المقابل، أنت ترى بعض المنتسبين لقطاعات المرور وسواه ممن يقودون سيارات حكومية، لا يختلفون عن الآخرين، أثناء قيادتهم السيارة.

نسبة الذين يجهلون قواعد وأنظمة المرور قليلة جدا. النسبة الأكبر في المخالفات التي تحدث في الشارع هي نتاج تجاهل هذه القوانين.

لاحظوا أننا نتحدث أيضا عن نخب اجتماعية: أكاديميين، أطباء، قادة رأي، طلاب جامعات، موظفين كبار في القطاعين العام والخاص.

كل أولئك يمارسون خروقات ضد الوعي، وكلهم يزعم أنه يفعل هذا الأمر اضطرارا، إذ لا يملك خيارا سوى أن يكون جزءا من المخالفين.

نموذج المرور ينسحب على كثير من أمورنا التي ترتبط بالوعي وبالفعل المضاد للوعي. هذه المقالة ربما تندرج تحت ما ورد في الفقرة الأولى من المقالة.

الأربعاء، 14 مايو 2014

أخونا إبراهيم


 

لم أستغرب طاقات الخير والحب التي أطلقتها تغريدة شاب أفغاني من مواليد السعودية اسمه إبراهيم، يرقد على السرير الأبيض للعلاج في مستشفى الملك خالد الجامعي منذ ثمانية أشهر، إثر إصابته بالشلل.

طلب إبراهيم من صديق له أن يكتب تغريدة باسمه يدعو فيها الناس لزيارته نظرا لشعوره بالملل من طول مكوثه في المستشفى.

تحولت التغريدة إلى حافز، جعل المئات يتجهون إلى المستشفى لزيارته.

رغم الضغط الذي تعرض له المستشفى بسبب هذا العدد من الزوار، لكن الأمر أعطى مؤشرا تلقائيا عن طاقات الخير والحب المكنوزة في قلوب الناس.

لم تقتصر المسألة على الزيارات، إذ سرعان ما توالت التبرعات من أجل توفير العلاج لإبراهيم.

البعض وجد في الهاشتاق سانحة للتطاول على وزارة الصحة بزعم تقصيرها تجاه إبراهيم.

واقع الحال أن إبراهيم وجد عناية فائقة في مستشفى الملك خالد التابع لجامعة الملك سعود. لكن حالة إيراهيم تفتح التساؤل حول فاعلية دور لجان أصدقاء المرضى. فأنا أفترض أن لديها تنسيقا مع المستشفيات، بحيث تقوم بعمل زيارات للمرضى الذين لا يزورهم أحد.

لعل حالة إبراهيم تحفز لجنة أصدقاء المرضى في الرياض وسواها إلى تطوير أدائها.

هي فرصة سانحة أيضا لتوجيه الشكر لكل من أشاع البهجة والفرح على قلب أخينا إبراهيم.

الخميس، 8 مايو 2014

نتاج الكراهية مؤذٍ **



في مقالته أمس، قال الدكتور توفيق السيف: "إصدار قانون حماية الوحدة الوطنية أصبح ضرورة، كي نحمي أنفسنا وأبناءنا ومستقبلنا من تجار الكراهية هؤلاء".

لقد كان مجتمعنا ولا يزال، تغلب عليه المراعاة واللياقة، التي تفرض قدرا كبيرا من الاحترام للإنسان، أيا كان لونه أو جنسه أو رؤيته.

إن الانتقائية في ممارسة الكراهية تفضي إلى إقصاء ينقلنا إلى إقصاء آخر.

وأججت وسائل التواصل الاجتماعي بعض النعرات التي أصبح من اللازم تهذيبها.

لم يعد من المسوغ أن يظهر مقطع يوجه الإهانة لشخص بسبب لونه سواء تلميحا أو تصريحا. ولم يعد من المجدي السماح لشخص يسيء إلى لاعب بسبب طائفته. هذه النماذج وسواها، من الأمور التي تؤسس للكراهية، لا بد أن تتسامى المجتمعات العربية ومن ضمنها مجتمعنا عنها.

نعم نحتاج إلى قانون ضد الكراهية، وهذا القانون ينبغي أن يتبنى وضع تصوراته مركز الحوار الوطني وجمعية وهيئة حقوق الإنسان ومجلس الشورى.

هذه المبادرات صمام أمان تعلي قيمة إنسان هذه الأرض الذي اختار أن يكون ولاؤه لله ثم للوطن والقيادة، لكنه لم يختر اسمه ولا لونه ولا المنطقة أو الطائفة التي ينتمي إليها.


** رابط مقالة د. توفيق السيف التي أعلق عليها : 

http://www.aleqt.com/2014/05/06/article_846780.html


الثلاثاء، 6 مايو 2014

ميراث الوزير السابق



عندما أجد منشأة حكومية تحقق إنجازا وتترك أثرا، أتأمل في قائدها. القائد في أي منشأة هو المحرك.

هذا الأمر يمكن أن نلاحظه من خلال نشاط هذه الوزارة أو تلك. أحيانا تكون صورة وزارة ما ترتبط في الذهن بالبطء والضبابية. لكن هذه الصورة سرعان ما تتغير بتغير الوزير.

الحقيقة أنني لا أنظر إلى هذه المسألة باعتبارها مسألة إيجابية، بل أعتبرها من ملامح الخلل الإداري الذي يحتاج إلى علاج.

إن الوزارة أو الإدارة عندما تخضع للسمات الشخصية للمسؤول عنها، تتأثر بتغيير المسؤول سلبا وإيجابا بشكل كبير.

لا يمكن إنكار أهمية السمات والمهارات الشخصية لرب العمل، لكن من الضروري أن تكون هناك ضوابط تحمي العمل من التراجع.

هناك مشروعات تتوقف في بعض المنشآت لأن الوزير قد لا يراها جيدة. رغم أن هذه المشاريع معتمدة وسبق إقرارها من الوزير أو المسؤول الذي قبله.

عندما تتأمل في حال بعض المنشآت، تشعر بألم شديد، لأن بعض المشروعات تعثرت ستة أعوام أو أكثر، ليس بسبب عدم وجود اعتمادات، بل لأن أولويات الوزير الجديد تغيرت.

نحتاج إلى رقابة تحمي الاستراتيجيات الحكومية من الاجتهادات، مع إتاحة مرونة تسهم في إثراء هذه المشروعات لا إيقافها أو إلغائها.


الأحد، 4 مايو 2014

هل زرت متحفا؟



من منا فكر اليوم في اقتطاع جزء من الإجازة الأسبوعية من أجل زيارة هذا المتحف أو ذاك؟!

تبدو إجابة السؤال الافتراضية مخيبة. فالنزهة بإجمالها لا يدخل ضمن مصطلحاتها زيارة متحف، أو مكان أثري. إذ إن تكبد العناء في السفر إلى هذه المنطقة أو تلك، تتخلل أجندته الرحلات البرية أو البحرية والتسوق ... إلى آخره، لكن يندر أن تكون المتاحف ضمن القائمة.

ولو حاولت أن تكون من مرتادي المتاحف في الرياض أو جدة فإنك ستجد أن معظم من حولك غرباء، يتملكهم الشغف في التعرف عن قرب على تراث المملكة وآثارها، وربما تجد طلابا من هذه المدرسة أو تلك الجامعة.

حتى رحلاتنا الخارجية - ونحن لسنا وحدنا في هذا فكل الخليجيين كذلك ــــ تأتي زيارة المتاحف في ذيل قائمة اهتماماتنا.

هذه الثقافة المهمة تغرسها الأسرة منذ الصغر، وكذلك المدرسة باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى.

المتحف نافذة مهمة يمكن من خلالها تقديم صورة مختصرة عن موضوع معين، سواء كان هذا الموضوع يتعلق بتاريخ اجتماعي أو ثقافي أو فني. في بلدان أخرى قد تجد متحفا عن هذا الرسام أو الكاتب. إضافة إلى المتاحف التي تؤرخ لبعض الأحداث العسكرية. المدن صغيرها وكبيرها تضم متاحف عدة. كل واحد من هذه المتاحف يوثق تاريخ المدينة بصيغة أو أخرى.

وهذه المتاحف محطة سياحية مهمة يرتادها أهل المدينة والسياح الزائرون لها. هي رافد اقتصادي وثقافي في الوقت نفسه، وهي أحد أسس التعليم بالترفيه.

الأربعاء، 30 أبريل 2014

قال داود: تبا لكم



كانت السعودية كلها على موعد مع مسفر عبر الثامنة مع داود الإثنين الماضي. هو اليوم نفسه الذي كتبت فيه مقال عنوانه “عودة مسفر”، وكنت أعلق على خبر عودته، وأعترف لكم أن والدته أبكتني كما أبكت داود وشريحة كبيرة ممن شاهدوها في حلقة سابقة من برنامج الثامنة مع داود على mbc. لذلك عندما قرأت على “تويتر” أن “مسفر” سيظهر على شاشة mbc حرصت أن أشاهد الحلقة. استحضرت دمعات أم محمد وهي تبكي بحرقة. واستحضرت أصوات وكتابات الساخرين من دمعاتها.

كان مسفر شاهدا على حالة الاختطاف التي تتعرض لها عقول بعض أبنائنا وبناتنا. الخاطف لا يبدو ظاهرا في الصورة، إلا على هيئة متوالية من الأشباح هنا وهناك، لتنتهي المسألة باستقطاب هؤلاء إلى طاحونة الحرب بالوكالة. بينما هم يواصلون جهادهم عبر فضائيات التهييج، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنهم يضعون لأنفسهم خط رجعة، فعباراتهم التحريضية تأتي حمالة أوجه، كما هو حال بعض خطب الجمعة التي تكيل الدعوات بالموت والفناء على أعداء الدين، وهم يقصدون دينهم هم، الذي يرى في سفك الدماء طريقا مسوغا حتى ولو مات مليون أو أكثر كما قال أحدهم في معرض حديثه عن مصر.

ظهور مسفر على mbc أسهم في سقوط الأقنعة، وتوجيه الصفعة تلو الأخرى لتيارات تحصر الفهم للإسلام بمنطقهم ورؤيتهم.

كانت خاتمة حلقة داود: تبا لكم، تليق بهذا المشهد الهزلي الذي جعل صورتنا تقترن لدى الآخرين بشهوة القتل والزواج من اللاجئات بزعم حمايتهن. صحيح أن هذه الصورة المبتذلة تمثل حالات شاذة، ولكن الأمر يتطلب جهدا خارقا لتأكيد أن تلك الصور المجتزأة هي نتاج السكوت عن مثل هؤلاء. لقد كان الأفغان العرب وبالا على مجتمعاتنا، وكان من الممكن أن تتكرر الصورة مع من تم اختطاف عقولهم وتهريبهم إلى سورية بزعم الجهاد.

مسفر كشف كيف ينظرون في سورية للخليجيين الجهاديين. الأمر بالنسبة لهم لا يعدو عن كونه رهينة تقدم لهم المال، فإذا انتهى المال باعوه للنظام ليقبضوا مالا.

ألا نعذر داود الشريان بعدها حينما يختتم حلقته مخاطبا المهيجين بعبارة: تبا لكم؟!


عودة مسفر


كان بكاء أم محمد في الثامنة مع داود على mbc من الأمور التي أفضت إلى زيادة المناهضين لخديعة شيوخ التهييج، الذين أسهموا في تحريض الشباب لما أسموه النفير إلى سورية بدعوى الجهاد.

لم تسلم أم محمد من تشكيك بعض هؤلاء باعتبارها شخصية مصطنعة بزعمهم.

كان هذا الإمعان في الأذى، يكشف الضرر الذي شعروا به بعد ظهور تلك الحلقة. كانت الحقائق تترى، وكانت الكواشف تتوالى في مواقع التواصل الاجتماعي. أحدهم يحرض على الجهاد ثم يكتب عن فرحته بزواج ابنه. ابن أحدهم يستعرض على تويتر صور رحلته في شرق آسيا.

بينما والده يواصل ضخ الكراهية والتحريض بين أبناء المجتمع الواحد، ويؤجج الحس الطائفي المقيت. كانت الصورة ولا تزال تتسيدها صورة أناس يتوسلون بالدين لاقتياد أبنائنا وبناتنا تجاه حرب مستعرة، بينما هم يمارسون الفرجة والتهييج من بعيد. عاد مسفر إلى حضن أمه. وسبقه عائدون آخرون، بعد قرار ولي الأمر بتجريم من يغرر بالشباب ويدفعهم إلى أتون الحروب العمياء باسم الجهاد.

 ولكن بقيت أنفاس هؤلاء وأولئك، تخاتل أفكار القاعدة والحركية التي تتلبس في نفوسهم؛ فيكيلون المديح لهذا وذاك، ولكن أصواتهم تتوارى عندما يكون الكلام إعزازا للوطن وقادته.

في فترة من الفترات، لم يكن أحد يجرؤ على مثل هذا الكلام خشية أن يتم وصمه بالإساءة للدين. لكن ثبت لاحقا أن الدين بريء مما يفعله الحركيون ويمارسونه. سقطت الأقنعة وانكشفت الصورة.

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

إلغاء انتخابات المثقفين

هل يحق لوزارة الثقافة والإعلام التخلي عن نظام الانتخابات في مجالس إدارات الأندية الأدبية واللجوء للتعيين؟! السؤال يضع علامة استفهام كبرى.

إذ إن وجود إشكالات في الأندية الأدبية لا يمكن أن يتم علاجه بإبطال نظام قررت الدولة أن تأخذ به في الجامعات والمجالس البلدية وحتى مجلس الشورى في خطوة مستقبلية. وبالتالي فإنه لا يحق لوزارة الثقافة والإعلام أن تتوكأ على عصا الإشكالات التي حدثت في هذا النادي أو ذاك من أجل تبرير موضوع الإلغاء.

ومن هنا فإنني أتفهم ردة الفعل السلبية على إعلان وزارة الثقافة والإعلام نيتها اعتماد مبدأ التعيين بدلا من الانتخاب. ومن يدري، فقد تقرر الوزارة أن تعمم الأمر على هيئات المجتمع المدني الخاضعة لإشرافها مثل هيئة الصحفيين السعوديين وجمعية الكتاب السعوديين والناشرين ... إلى آخره.

إن مبدأ “الباب اللي يجي لك منه ريح ... سده واستريح” لا يمكن أبدا اعتباره الحل الناجع في هذا العصر. إن من المهم معالجة الإشكالات، وجزء من العلاج يتعلق بتحفيز المثقف والأديب على ممارسة حقه في التصويت والانتخاب؛ إذ إنني أجزم بأن جزءا من الأخطاء التي واكبت انتخابات الأندية الأدبية، وأدت إلى تسنم فئة كانت حاضرة في المشهد، بينما تعاملت بقية ألوان الطيف مع فكرة التصويت والانتخاب بنوع من التواكل واللامبالاة والسلبية، لكن عندما ظهرت النتائج بدأت التوجهات والأخطاء تحفز على المعارضة.

لقد شهدت بعض الأندية الأدبية مواجهات مع وزارة الثقافة والإعلام في المحاكم بسبب تدخلها في شؤون مجالس الإدارات المنتخبة.

وهذه الصورة التي جعلت القضاء يرفض إجراءات الوزارة ضد المجالس المنتخبة، أوجدت مثقفين آخرين أيدوا هذه القرارات وصفقوا لها ربما نكاية في خصومهم، لكنها في النهاية جاءت لتقويض منجز وليد كان من الممكن أن يغدو أجمل لو تمت حمايته وتقييد تدخلات الوزارة والعمل على إعادة صياغة رؤية يحددها الأدباء والمثقفون حول من ينتخب من وكيف؟!

هذه الرؤية التوافقية أفضل حتما من مخالفة مسار الدولة في الأخذ بمبدأ الانتخاب في أكثر من قطاع، سواء في الجامعات أو البلديات أو الغرف التجارية وجمعيات النفع العام ... إلى آخره.

إن المأمول أن تعيد الوزارة النظر في قرارها، وعلى الأندية الأدبية والأدباء اللجوء إلى ديوان المظالم ضد هذا القرار غير المتوقع.


الأحد، 13 أبريل 2014

هل نحتاج إدارة حكومية إلكترونية للخطبة والزواج في السعودية؟



تنتشر في الغرب ظاهرة المواقع والتطبيقات الاجتماعية التي تهدف للجمع بين شخصين. هذه التطبيقات تمثل نافذة من نوافذ التواصل بين الذكور والإناث. ولا شك أن هذا الأمر بالشكل المطبق هناك، لا يتسق مع مفاهيمنا وقيمنا الدينية والمجتمعية.

لكنني قصدت من الحديث عن هذا الأمر، الخروج بفكرة أقترح أن تتبناها وزارة الشؤون الاجتماعية، وتعتمد على إيجاد وسيلة إلكترونية يمكن من خلالها استقبال طلبات الزواج سواء من خلال الشباب أو الفتيات أومن خلال الأسر أيضا.

وكما يقدم المرء طلبا لقرض أو خدمة ما، يمكن الاستفادة من التقنية في تيسير الزواج لمن لا يجد وسيلة مباشرة إلى هذا الأمر، بحكم التعقيدات التي أفرزتها الحياة المعاصرة، التي جعلت الإنسان لا يعرف حتى جيرانه.

هذا الأمر في رأيي يتسق مع المهمات التي أوكلها مجلس الوزراء إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بتنفيذ دورات تثقيفية للراغبين في الزواج من الجنسين.

أعرف حساسية هذا الأمر، لكنني أستشعر أهميته وضرورته بالنسبة للبعض.

لقد تحول الأمر إلى تجارة لكل من هب ودب. مواقع إلكترونية التسجيل فيها بمقابل مادي وأغلبها تقوم بأدوار مشبوهة، وهناك مجاهيل ومجهولات على "تويتر" و"فيس بوك" يقدمون أنفسهم باعتبارهم يقدمون خدمات الزواج. وبعضهم يقول إنه متخصص في المسيار فقط، وأخريات يعرضن خدمات لا تمت للزواج بأي صلة.. إلى آخره.

المؤلم في كل هذا، أن هناك من يهدر أسراره وماله على هؤلاء، رغم عدم جدية الخدمات التي يقدمها معظمهم.

وهناك جمعيات خيرية تمارس هذا الدور، وجهدها رغم أنه محدود إلا أنه مشكور تماما.

لنكن واقعيين ونعترف أن ظاهرة العنوسة والعزوبة في مجتمعنا وفي كل المجتمعات العربية، أصبحت مصدر شكوى وقلق كثير من الأسر وإن منع الحياء معظمهم عن التصريح بذلك.

قبل أن أختم هذه المقالة لابد أن أشكر الأخ محمد بن سعيد السناني الذي تفاعل مع مقالتي: شباب وشابات دون زواج ("الاقتصادية" 2014/3/26) وتكلف عناء الحضور للصحيفة حاملا وجهة نظره التي تؤكد ضرورة إعطاء موضوع تزويج الشباب والفتيات اهتماما أكبر. ويؤسفني أنني لم أتمكن من مقابلته؛ لكنني تعلمت من رسالته الكثير، وكنت أتمنى أن أستمع إلى شريط كاسيت أهداني إياه يضم تسجيلا لحلقة من إذاعة الرياض تناقش الموضوع ذاته، لكنني مع الأسف لا أملك جهاز تسجيل، فقد أفقدتنا التقنية الحديثة العلاقة الحميمة سابقا مع الكاسيت.


الإنجاز واجب المسؤول



ينسبون إلى نابليون عبارة تقول "إذا أردت أن تحقق النجاح فلتَعِد بكل شيء، ولا تفي بأي شيء".

عبارة كارثية خاطئة، ومع عدم التسليم بصحة النسبة إلى نابليون، إلا أن حال بعض المسؤولين التنفيذيين لدينا ليس بعيدا عن هذا.

في التقرير الذي نقله الزميل محمد العوني عن أداء هيئة المدن الاقتصادية ونشرته "الاقتصادية" أمس مثال شديد الوضوح على عدم الإنجاز.

وعلينا قبل هذا أن نذكر إحقاقا للحق أن هذه المدن الاقتصادية كانت تحت مظلة الهيئة العامة للاستثمار، وكان هناك وعود كثيرة بوظائف مليونية ومصانع بالمئات. مجلس الشورى واجه هيئة المدن الاقتصادية بالحقيقة التي يعرفونها فيما يخص ما تحقق في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ نسبة الإنجاز 5 في المائة.

بينما تتضاءل النسبة في مدينة المعرفة الاقتصادية إلى 4 في المائة ويزيد التناقص في نسبة الإنجاز في مدينة جازان الاقتصادية إلى 1 في المائة. أما نسب الإنجاز في مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية فهي صفر في المائة.

الذي قاله لنا المسؤولون السابقون قبل بضعة أعوام ونشرته وسائل الإعلام غير هذا.

وأتذكر أنه كان من المحظور على الناس التشكيك في أن مدينة جازان الاقتصادية ستوفر نصف مليون وظيفة. كان موقع الهيئة العليا يتباهى بأنه سيوفر فرصا وظيفية بمئات الآلاف في هذه المدن.

وقلت في مقال سابق إنه قياسا على هذه الأرقام يفترض أن تكون وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل في رغد وراحة بال، إذ لن يكون لديهما ضغوط متواصلة لتوفير مزيد من الوظائف للعاطلين.

لقد أخذ بعض المسؤولين السابقين بالمقولة الموجودة في بداية المقال، وعندما أصبحوا خارج المسؤولية بقيت تصريحاتهم ووعودهم تلاحقهم.

لقد أعاد الملك ــ يحفظه الله ــ خلال إقرار ميزانية هذا العام ما سبق أن تحدث عنه في أعوام سابقة من ضرورة أن يراعي المسؤولون عظم الأمانة الملقاة على عواتقهم. ونحن نتذكر عبارته الشهيرة: من ذمتي إلى ذمتكم. والحق أن هناك من كان على مستوى ثقة القيادة فأنجز، وهناك من لم يحقق المطلوب منه فكان عليه أن يترجل.


السبت، 12 أبريل 2014

وطننا أمانة



عندما أعود بذاكرتي بضعة أعوام، أجد أن عددا كبيرا من الملفات أخذت طريقها للحل. تم توظيف عدد كبير من الشباب والفتيات. والمستقبل يعد بالمزيد. تم حل إشكالات مجموعات من الخريجات والخريجين. وما زال المجتمع ينتظر المزيد. وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل ووزارة التربية والتعليم .... إلخ. تلقت توجيهات مباشرة من الملك ومن ولي عهده الأمين- يحفظهما الله- بضخ مزيد من الشباب والفتيات إلى سوق العمل، وقد كان.

تواكب ذلك مع تطويق لمشكلات المحتاجين عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، وفي وزارة التعليم العالي كانت قافلة الابتعاث تتواكب مع قفزات متسارعة في عدد الجامعات. خلال عشرة أعوام تضاعف عدد الجامعات السعودية أكثر من مرة. لدينا حاليا 28 جامعة حكومية و29 جامعة وكلية أهلية، وهناك مزيد في الطريق.

وزارة الإسكان بدأت تتحرك من أجل تطويق مشكلات السكن. خطوات حثيثة للعلاج، يشوبها قصور ربما لكن القطار بدأ يتحرك بشكل أكثر سرعة من ذي قبل.

لا أقصد من كل هذا الكلام تقديم إحصاء واستعراض للمنجزات.

لكنني أقول إن التاريخ سوف ينصف رجل المرحلة الملك عبد الله بن عبد العزيز وعضده الأيمن الأمير سلمان بن عبد العزيز يحفظهما الباري.

من المهم أن نتحدث عن هذا الخير وتلك النعمة التي عمت البلاد. هناك من لا يسرهم هذا الكلام، ويسعون للتثبيط والتحبيط والتحريش.

هناك من لا يسعد بهذا الاستقرار والتلاقي بين كل أطراف هذا الجسد. هناك من يسعى لرمي الأحجار على هذه النخلة المثمرة، ويحاول التفريق بين فروعها تارة بطرح طائفي وأخرى بزعم مناطقي وثالثة بسياق نفعي ظاهر.

هناك من يتوسل بالخيانة والمزايدة، وهو يتوكأ تارة بالدين وأخرى بالعصبيات الممقوتة.

الوطن اليوم كبير بكل فئاته وجغرافيته. وهو يكبر أكثر كلما خابت أماني المثبطين والمتربصين.

حفظ الله الملك وولي عهده ونائبهما الثاني وبارك في بلادنا وحفظها سالمة وآمنة من سوء الحساد والمندفعين دون بصيرة.

إن الوطن أمانة في أيدي الجميع، وعلى كل فرد في هذا النسيج أن يكون يد بناء وعطاء، وألا يتحول دون أن يشعر إلى أدة تهديد واستهداف لهذه المنجزات وهذا الاستقرار والنماء.


الاثنين، 7 أبريل 2014

وطننا أمانة



عندما أعود بذاكرتي بضعة أعوام، أجد أن عددا كبيرا من الملفات أخذت طريقها للحل. تم توظيف عدد كبير من الشباب والفتيات. والمستقبل يعد بالمزيد. تم حل إشكالات مجموعات من الخريجات والخريجين. وما زال المجتمع ينتظر المزيد. وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل ووزارة التربية والتعليم .... إلخ. تلقت توجيهات مباشرة من الملك ومن ولي عهده الأمين- يحفظهما الله- بضخ مزيد من الشباب والفتيات إلى سوق العمل، وقد كان.

تواكب ذلك مع تطويق لمشكلات المحتاجين عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، وفي وزارة التعليم العالي كانت قافلة الابتعاث تتواكب مع قفزات متسارعة في عدد الجامعات. خلال عشرة أعوام تضاعف عدد الجامعات السعودية أكثر من مرة. لدينا حاليا 28 جامعة حكومية و29 جامعة وكلية أهلية، وهناك مزيد في الطريق.

وزارة الإسكان بدأت تتحرك من أجل تطويق مشكلات السكن. خطوات حثيثة للعلاج، يشوبها قصور ربما لكن القطار بدأ يتحرك بشكل أكثر سرعة من ذي قبل.

لا أقصد من كل هذا الكلام تقديم إحصاء واستعراض للمنجزات.

لكنني أقول إن التاريخ سوف ينصف رجل المرحلة الملك عبد الله بن عبد العزيز وعضده الأيمن الأمير سلمان بن عبد العزيز يحفظهما الباري.

من المهم أن نتحدث عن هذا الخير وتلك النعمة التي عمت البلاد. هناك من لا يسرهم هذا الكلام، ويسعون للتثبيط والتحبيط والتحريش.

هناك من لا يسعد بهذا الاستقرار والتلاقي بين كل أطراف هذا الجسد. هناك من يسعى لرمي الأحجار على هذه النخلة المثمرة، ويحاول التفريق بين فروعها تارة بطرح طائفي وأخرى بزعم مناطقي وثالثة بسياق نفعي ظاهر.

هناك من يتوسل بالخيانة والمزايدة، وهو يتوكأ تارة بالدين وأخرى بالعصبيات الممقوتة.

الوطن اليوم كبير بكل فئاته وجغرافيته. وهو يكبر أكثر كلما خابت أماني المثبطين والمتربصين.

حفظ الله الملك وولي عهده ونائبهما الثاني وبارك في بلادنا وحفظها سالمة وآمنة من سوء الحساد والمندفعين دون بصيرة.

إن الوطن أمانة في أيدي الجميع، وعلى كل فرد في هذا النسيج أن يكون يد بناء وعطاء، وألا يتحول دون أن يشعر إلى أدة تهديد واستهداف لهذه المنجزات وهذا الاستقرار والنماء.


الأحد، 6 أبريل 2014

سوانح لشخص جامح

هل تتوقع ــــ في أقصى حالات المثالية ــــ أن يشتمك إنسان، ثم تحسن إليه؟! هذا الفعل الملائكي؛ يندر أن تجده في الواقع، وإن وجدته فستجده في ثنايا كتب وحكايات النوادر والطرائف التي يتم نقلها عن الحكماء، ويتم الاستشهاد بها على الحلم ورجاحة العقل التي تتجاوز طاقة معظم البشر.

الأمر يحتاج إلى أن تتوكأ على الحصافة والسمو والنبل، واستحضار أقصى درجات الرصانة، إذ من اللؤم أن تكون ناكرا لكل جميل، جائرا على الناس من حولك ثم تطالب بأن تنال حقا لك في الشارع أو سواه. كي تحصل على هذا الحق، عليك في المقابل أن تمنح سواك حقه.

إن حالة التجاوز والتطاول التي تتلبس بعض الناس تبقى مسألة محيرة، ولا تتسق مع صفات العربي الأصيل والمسلم النبيل الذي يؤمن أن جزاء الإحسان هو الإحسان.

إن الوعي يتعرض للاغتيال، والمحاكاة مع الأسف حاليا تتم بالقول والفعل لبعض من يمارسون الجور، وهذه من عجائب هذا الوقت، إذ ما المغري في تقليد لئيم سيء اللفظ والفعل.

لقد عززت مواقع التواصل الاجتماعي للإنسان فرص التعبير والكلام، لكن البعض يحتاج إلى ثقافة الإنصات والإنصاف وعدم الجور أو الكذب والتجاوز على الكبار واستضعاف الصغار واحتقارهم. حتى في أقصى حالات الخلاف والاختلاف؛ هناك مساحة يمكنك فيها أن تكون راقيا ورحيما وكريما ونبيلا؛ فلماذا يترفع البعض عن هذا السلوك الجميل؟!

قبل أن توجه الشتيمة إلى إنسان، مهما اختلفت معه، توقف قليلا واسأل: ماذا لو كنت أنت الذي تتعرض لمثل هذا التصرف؟! قرر أن تتوقف عن ذلك، ولا داعي للمكابرة. إننا نتعلم كل يوم كي نصحح أخطاءنا بالأمس.

الأربعاء، 2 أبريل 2014

الحراك السعودي



أعجبتني عبارة الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم خلال الاحتفاء بجائزة الملك فيصل العالمية. قال الأمير: «إن السعودية تعيش حراك تنمية وثقافة، لا حراك ميليشيات وحرب».

وهذا أمر حقيقي، ولكن ثمة من يحاولون إشاعة فكرة اليوتوبيا عن مجتمعنا؛ ثم يعمدون إلى تكثيف السلبيات والسعي لاستخدامها مادة للتحريض والتهييج.

هذا السياق بدأ يتشكل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأصبح النأي عن فخ هذا التهييج أمرا وقرارا يتعلق بالإنسان. هنا لا بد من الإشارة والتنويه إلى أن شباب وبنات الوطن أصبح لديهم من الوعي والإدراك ما يجعلهم يقرؤون الصورة بشكل حصيف، وبالتالي تتحول الأصوات الموتورة إلى مادة للتندر والتسلية.

إن الحراك السعودي الواعي، هو حراك حقيقي، يلتف بكامله من أجل الوطن والإنسان والقيادة. وهذا الفعل الجمعي الطبيعي، أحد الأمور التي لا تسر العدو.

إن الرهان على الوعي وعلى روح المواطنة الحقة، مسألة لا يمكن أن تقترن بفوائد فردية، إذ هي صمام أمان يفضي إلى تحقيق معادلة الاستقرار والتنمية. هذه المعادلة التي جعلت السعودية - وإن تعامى البعض عن هذه الحقيقة - أحد خيارات الاستثمار الآمنة إقليميا ودوليا.

ووسط كل هذا؛ كان لا بد لبعض الأصوات الانتهازية أن تسعى لاستغلال قضايا عادية من أجل تحويلها إلى قضية رأي عام. لا نختلف حتما في أهمية أن تعلو الأصوات ضد أي مظهر سلبي؛ لكن مع استحضار روح المسؤولية والمواطنة، وصد المزايدين على هذا الكيان الشامخ بقادته وأبنائه وأرضه الطاهرة.


الأحد، 23 مارس 2014

النائب يتبرع بقلبه

بينما أنا أقرأ خبر توقيع نائب وزير الصحة للشؤون الصحية الدكتور منصور الحواسي أمس على بطاقة التبرع بأعضائه عقب وفاته، وذلك عقب افتتاحه معرض الحملة التوعوية في اليوم العالمي للكلى.

 تذكرت أنني سبق منذ سنوات طوال أن وقعت في مناسبة حاشدة على مثل هذه البطاقة. وهناك وزراء آخرون رحلوا عن هذه الدنيا -يرحمهم الله- وقعوا على البطاقة نفسها وسط أضواء فلاشات التصوير والتصريحات البليغة.

لكن واقع الحال أن الأمر يبقى مجرد عرض تحفيزي، لا يتبعه فعل حقيقي. والعودة إلى الأرشيف تؤكد ما أقوله، ولا أريد هنا أن أطرح أسماء، فالأمر فقط يتطلب آلية تحفظ للمتبرع حقه في التبرع وتجعل هذا الموضوع جزءا من سجله الطبي المتاح سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة.

مبادرة مثل هذه تنطوي على فعل إنساني راق، وأثره يتجلى سريعا من خلال إنعاش أرواح أخرى تظل تعاني أمر العذاب بدون وجود مثل هذه المبادرات النبيلة.

ومع ذلك فإن هذا الفعل يظل محدودا، ولا نراه إلا في حالات "الكوما" طويلة الأمد. بينما في حالات أخرى مثل الحوادث أفضل ما يفعله المستشفى العام والخاص هو رفع الأجهزة وإعلان حالة الوفاة للمصاب، دون التفكير في عرض الأمر على أسرة المتوفى ومحاولة أخذ موافقة منهم بإحياء جزء من فقيدهم من خلال منح أعضائه لآخرين.

بل إنني أتذكر تجربة لن أذكر اسم صاحبها، وصل إلى المستشفى بعد وفاة فلذة كبده، وعندما أفاق من الصدمة وفكر في أن يتبرع بأعضاء الفقيد، اكتشف أن الأمر قد انتهى ولم يعد ذلك ممكنا.

إنني أثني على قرار الدكتور الحواسي وكل إنسان أسهم في إحياء الأجساد التي تعاني أدواء الكلى والقلب والعمى وغيرها من أمراض وعلل تحتاج إلى مبادرات نبيلة.

عندما ينتهي عمر الإنسان، لا يمكن إعادته للحياة، ورغم ألم الفقد، لكن منح آخرين فرصا أخرى للحياة بالتبرع بالأعضاء أمر رائع وينسجم مع الحس الإنساني الراقي. على الأقل عندما تتلفت من حولك، سوف ترى جزءا حيا ممن فقدت، لا يزال يمشي على الأرض.


الجمعة، 7 مارس 2014

فوضى الثقافة والمثقف


صاحبي يتهيأ لاستقبال معرض الكتاب. هو في الحقيقة يجد فيه ملاذا، ينتقي من خلاله مؤونة تكفيه عاما كاملا. يأخذ أحدث الكتب، في مجالات الأدب والتاريخ والاجتماع والسياسة... إلخ. حال صاحبي يعكس قدرا لا يستهان به من السلوك المتحضر. الحقيقة أن دور النشر العربية تتهافت على معرض الرياض الدولي للكتاب. حركة الشراء في المعرض تعتبر الأعلى عربيا. هناك أيضا من يجد متعة في التجول بين معارض الكتب في القاهرة والشارقة وغيرها.

الإشكال في كل هذا، يظهر في كون صاحبي ـ وسواه كثير ـ عندما يأتون إلى معرض الكتاب، يقودون سياراتهم بشكل فوضوي، ويعمدون إلى إيقافها في أماكن غير مناسبة. لكنهم عندما يعبرون نحو ساحة الكتب، يتحولون إلى كائنات لطيفة، يتحدثون مع المؤلفين عبر لغة راقية، وغالبا يكون لديهم رحابة وقدرة على الإنصات وأيضا يختارون كتبا مميزة. بعضهم يتجه نحو قاعة المحاضرات، ينصت للفعاليات بمنتهى الهدوء، ثم يحمل حمولته ويمتطي سيارته، ثم يتأهب لخوض معركته مع الناس من حوله في الشارع. كثيرا ما يلوح سؤال في ذهني، وأنا أراقب سلوك البعض بمجرد امتطائهم السيارة: هل هناك جني يسكن في سياراتنا يستحوذ على تصرفاتنا؟

الحقيقة أنني أمعنت في مراقبة نفسي أولا، وفي مراقبة إمام مسجدنا، وأيضا أناس غرباء لا أعرفهم. حالة من التنمر والذئبوية تتلبسهم خلف المقود، يجورون على المشاة، وعلى أصحاب السيارات الأخرى، لكنهم يمضون جذلين، فرحين بحصيلتهم من أوعية الثقافة وكنوزها التي تقدمها دور النشر المحلية والعربية والأجنبية.

الجمعة، 28 فبراير 2014

أن تكون فضائيا

شاركت معلقا في إحدى المناسبات على قضايا تخص الإعلام المحلي. وأثناء المداخلات، تحدث أحد الأفاضل حول مسائل علمية ودينية، وكان يستفسر مني بشأنها، فقلت له إنني أفضل أن أتحدث عما أعرف ولا أجتهد فيما لا أعرف. بعد اللقاء قال صديق إن الاعتذار بعدم المعرفة أمر يقلل قدر الإنسان. قلت له: رأيي أن الخوض فيما يجهل المرء قلة العقل.

أكــــــثر معانـــــــاة يواجهها الإعلامي: إغراء الكلام.

تتصل قناة تلفزيونية لتطلب التعليق على سوق الأسهم، وعندما أجيب المتصل أنني لا أتقن الكلام في الأسهم يستغرب. ومع ذلك يتكرر الاتصال من فترة إلى أخرى. هو عادة يتعامل مع قائمة هاتفية، وغالبا لا يعي أي تفاصيل أخرى.

تتصل قناة أخرى لتقول الفتاة على الطرف الآخر: كتبت اليوم مقالة عن موضوع كذا ونريد تعليقك عليه. قلت لها: أظنك أخطأت، أنا لم أكتب هذا، لكنني وضعت رابطا لمقالة الكاتب عبر “تويتر”. تشعر بقليل من الحرج، لكنها تكمل: طيب، نحن نريدك أن تتحدث معنا، فما الأشياء التي تحب الحديث عنها؟ قلت لها: لا شيء.

كثرة الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية أصبحت تؤسس لفكرة الجاهل الذي يتحدث في كل شيء وفي أي شيء. وإذا تأملت في حال بعض البرامج عندنا تكتشف أنها لا تخرج عن مدار شلة تلتقي لتتحدث في شأن معين. تتغير أسماء البرامج ومجالاتها، لكن يبقى من حقك أن تسميها: شلة الرياضة، شلة السياسة، شلة الثقافة. وفي كل قناة هناك شلة خاصة بكل شيء.

ولو أعدت تأمل المشهد مرة أخرى ستجد أن القائمة الهاتفية في هذه القناة أو تلك ثابتة وإن تغيرت وتبدلت البرامج والمذيعون. نحن نحبو، فيما تتسارع خطوات فضائيات أخرى، تتعب قليلا على برامجها. لهذا دوما يكون الاعتذار واجبا.

الاثنين، 24 فبراير 2014

عن العوامية الحبيبة



إصرار البعض على تصوير حالات الإرهاب التي يمارسها بعض المجرمين في العوامية على أنه فعل بطولي، يعكس جورا وانحيازا لهوى نفس.

هم يبحثون في هؤلاء الأغرار عن أبطال. لكن ما البطولة في أن يحمل شخص سلاحا ويروع به الآخرين؟! لا أحد يقر مثل هذا التعدي والإرهاب، سواء كان مكانه في العوامية أو الرياض. وسواء كان مرتكبه سنيا أو شيعيا.

بل إن كل الأمم المتحضرة، تعتبر كل من يحمل سلاحا ويشهره في وجوه الناس مصدر تهديد للأمن، ويتم التعامل معه وفق هذا المنظور.

إن البعض يريد أن تكون العوامية جسرا لإذكاء الفتنة وضخ الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد. لكن هذا العناق بين الشمال والجنوب، بين الشرق والغرب، أكبر وأعمق من أن تؤثر فيه مثل هذه المحاولات.

إن من المهم، ونحن نتأمل في هذه الحادثة وما سبقها من حوادث، أن نعيد التأكيد على أن هذه الأطراف المتآلفة، لا يمكن أبدا أن يؤثر فيها أغرار من هذه الجهة أو تلك. إن القيمة العليا التي تعلو دوما هي قيمة الوطن، وقيمة الإنسان وأمنه وسلامته. وهذا الأمر يتعزز يوما بعد يوم، من خلال النظر في حال المجتمعات التي أثخنتها الفتن. هذا الدرس، يعزز الحاجة إلى أصوات العقل والعقلاء. إن التطرف والتطرف المضاد، مرض عضال، لا يمكن إطفاء غلوائه، إلا بالتضافر من أجل محاربة أطرافه كافة.

إن هناك من يتوسلون بالدين من أجل استهداف الوطن. لقد شهدنا وخبرنا هذا الأمر عبر سنوات طوال. سواء من خلال محاولات تصدير الثورة الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي عبر ما يسمى خط الإمام، أو من خلال تنظيم القاعدة التي تغولت على يد ما يعرف بالأفغان العرب من أفغانستان.

كثيرة هي التنظيمات والتحزبات التي تتوسل بالدين جورا وتستهدف الوطن والإنسان.

علينا أن نراهن على الوعي بكل هذه الأهداف، وأن نسعى لتعريتها. وعلى مركز الحوار الوطني أن يباشر مهامه الموكلة إليه بجدارة، بدلا من إضاعة الوقت في تلميع نفسه عبر مناشط ثانوية يمكن لسواه أن يؤديها.


الاثنين، 10 فبراير 2014

عن زرقاء اليمامة ربما


 

الشيء العميق في أسطورة زرقاء اليمامة ــــ وهي شخصية تاريخية حقيقية ــــ أنها قالت الحقيقة، فرأى قومها أن هذه الحقيقة أقرب للمستحيل الناتج عن الخلط أو الخرف أو ذهاب البصر والبصيرة. لكن حاكي الأسطورة يقول إن ما حذرت منه زرقاء اليمامة قد حصل. نقص المعلومة أو عدم الاعتداد بها، يفضي إلى أخذ قرارات قاصمة.

كثير من الأدباء المعاصرين حاولوا استدعاء زرقاء اليمامة من خلال المسرح والدراما بشكل عام، وكذلك من خلال الشعر. وتبقى قصيدة أمل دنقل البكاء "بين يدي زرقاء اليمامة"، شكلا من أشكال التعبير عن الخيبة التي أصابت العرب بعد النكسة في 1967.

هناك حاجة ماسة إلى استحضار بصيرة زرقاء اليمامة، وسط ظروف تبدو فيها الخريطة شديدة الغموض. الرؤية لا يمكن أن تسيرها العاطفة وحدها. ولا يمكن التعويل على الذكاء وحده. ولا الرهان على القوة بمفردها.

يبدو أن مفترق الطرق، يزدحم بسلسلة خيارات قد تتصادم أحيانا مع المنطق. لكن من المؤكد أن هناك منطقا جديدا تصوغه متغيرات عدة، تجعل الأمر بحاجة إلى التناغم بين ألوان طيف قوس قزح الذي يتشكل عقب الأمطار والرعود.

البحث عن زرقاء اليمامة، الذكر والأنثى، يعني إنشاء مزيد من مراكز التفكير والدراسات الاستراتيجية. لا يمكن فهم غياب تشجيع إنشاء مراكز الدراسات والأبحاث عربيا وخليجيا ومحليا. هذا الأمر جعل الرؤية تصوغها مراكز خارجية، مع صبغها بصبغة محلية.

إذا استثنينا محليا تجربة مركز الملك فيصل، لا يمكن التعويل على أي تجربة بحثية محلية أخرى تستشرف الآفاق. حتى ما تنتجه الجامعات التي تزيد على الـ 30 يعتبر فقيرا وضحلا جدا.

إننا نغرق في بحر من المعلومات غير الدقيقة، والقراءات الإنشائية، .. لا يكاد يوجد رقم واحد متفق عليه لا فيما يخص العمالة النظامية ـــ مثلا ــــ ولا العمالة المخالفة ونوعياتها. الأمر نفسه ينسحب على أرقام وطنية أخرى. وكذلك المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية. استمرار هذا الأمر يجعل الخطط متعثرة.

وبالتالي يغدو الحديث عن أزمة المرور منذ عشرات السنين وعن ضعف البنية التحتية وعن نقص الخدمات ... إلخ. ناهيك عن أننا نفاجأ بشكل مستمر أن مطاراتنا ومستشفياتنا أصبحت إمكاناتها لا تتجاوب مع الحاجات الفعلية. هناك أمور أخرى أعمق، نحن نجهلها.

الأربعاء، 5 فبراير 2014

شبابنا وحروب الآخرين


 

في نهاية تسعينيات القرن الماضي، كانت "الإنترنت" تتهادى في مجتمعنا. وقتها كانت المنتديات تتسيد ساحة التعبير. لم تكن هناك وسائل اتصال اجتماعي. كانت الأمور تبدو متداخلة في المنتديات. كما هو حالها الآن في مواقع التواصل الاجتماعي. لكن الصور مختلفة. كان بعض الشباب ـ حتى الفتيات ـ المتحمسين يضعون في توقيعاتهم في المنتديات صور أسامة بن لادن وغيره من رموز الإرهاب. وفي المقابل كان الشيعة يرفعون صور رموز آخرين، بعضهم تورط في تفجيرات استهدفت السعودية في أوج الثورة الإيرانية.

وهناك من كان يضع صور رموز غير دينية، بعض هذه الصور يتم استدعاؤها من القرن الماضي على غرار جيفارا. كان الاستقطاب وقتها حادا، كما هو الحال الآن، لكن صوت الإرهاب كان أقوى. وتحولت بعض هذه المنتديات إلى أوكار تجنيد لمصلحة هذا التيار أو ذاك.

كان من السهل التهام من يحاول معارضة التيارات الجهادية والطائفية، وغالبا يتعرض للإيقاف والطرد من هذا المنتدى أو ذاك. والأمر نفسه يحدث من قبل الطرف الآخر. في الغالب كانت منطقة الوسط ضيقة، المبدأ كان ولا يزال: إما أن تكون معي أو تكون ضدي.

كانت هناك منتديات مهمة وقتها، أتذكر منها جسد الثقافة وإيلاف وطوى ودار الندوة والساحات العربية.. إلخ. كثير من الموجودين حاليا في مواقع التواصل الاجتماعي، كان لهم حضور وتجارب قوية في هذا المنتدى أو ذاك. معظم هذه المنتديات توقفت، والباقي منها تراجع تأثيره كثيرا.

أستحضر الصورة الآن، وأنا أقارنها بصور شباب وفتيات اليوم. الأمر نفسه، لكن تغيرت طريقة الرفض.

الذين كان أقاربهم يرفعون صور رموز القاعدة، صار بعضهم يرفع شعار رابعة وسواها، الذين كانوا يرفعون صورا للمشاركين الشيعة في تفجيرات السعودية ـ مثلا ـ أضافوا صور حسن نصر الله وآخرين. الذين كانوا يضعون صورة جيفارا صاروا يستحضرون صور سنودن وسواه من رموز الرفض في الشرق والغرب.

وهناك فئة تصالحت مع المعاصرة وصارت ترى في صور نجوم التقنيات والتطبيقات الذكية الحديثة.. إلخ قدوة تستحق الحضور والترميز.

هذه دورة حياة. ووسط كل هذا كان ولا يزال هناك لاعبون يمارسون التهييج والتحريض واختطاف العقول. هؤلاء هم الذين استهدفتهم القرارات الملكية التي صدرت أمس الأول. الهدف تحصين المجتمع وأبنائه من الجماعات التي تريد مزيدا من الحطب من أجل خوض حروب بالنيابة عن الآخرين. الخليج العربي حاليا تحت ضغوط تهديدات وتحديات واستحقاقات كبيرة. وهذه التهديدات تتوكأ على أذرعة عربية ودولية عدة.

من المهم أن يعي شبابنا أن هذا الحماس الذي يبددون جهدهم فيه، لا طائل منه. ولعلهم يسألون أشقاءهم وأقاربهم الأكبر سنا.

أنتم قد تكونون وقود حروب آخرين. فانتبهوا لأنفسكم ومستقبلكم.

بين داعش وجبهة النصرة وحزب الله ـ في سورية مثلا ـ .. إلخ يموت سعوديون وعرب. مثل هؤلاء كانوا يموتون بين طوائف الأفغان عقب دحر روسيا، كانت هناك فيالق وجماعات تقاتل بعضها في حرب لا معنى لها. كنا في حاجة ماسة إلى قرار رادع، يمنع تكرار أخطاء الماضي.