الأربعاء، 5 فبراير 2014

شبابنا وحروب الآخرين


 

في نهاية تسعينيات القرن الماضي، كانت "الإنترنت" تتهادى في مجتمعنا. وقتها كانت المنتديات تتسيد ساحة التعبير. لم تكن هناك وسائل اتصال اجتماعي. كانت الأمور تبدو متداخلة في المنتديات. كما هو حالها الآن في مواقع التواصل الاجتماعي. لكن الصور مختلفة. كان بعض الشباب ـ حتى الفتيات ـ المتحمسين يضعون في توقيعاتهم في المنتديات صور أسامة بن لادن وغيره من رموز الإرهاب. وفي المقابل كان الشيعة يرفعون صور رموز آخرين، بعضهم تورط في تفجيرات استهدفت السعودية في أوج الثورة الإيرانية.

وهناك من كان يضع صور رموز غير دينية، بعض هذه الصور يتم استدعاؤها من القرن الماضي على غرار جيفارا. كان الاستقطاب وقتها حادا، كما هو الحال الآن، لكن صوت الإرهاب كان أقوى. وتحولت بعض هذه المنتديات إلى أوكار تجنيد لمصلحة هذا التيار أو ذاك.

كان من السهل التهام من يحاول معارضة التيارات الجهادية والطائفية، وغالبا يتعرض للإيقاف والطرد من هذا المنتدى أو ذاك. والأمر نفسه يحدث من قبل الطرف الآخر. في الغالب كانت منطقة الوسط ضيقة، المبدأ كان ولا يزال: إما أن تكون معي أو تكون ضدي.

كانت هناك منتديات مهمة وقتها، أتذكر منها جسد الثقافة وإيلاف وطوى ودار الندوة والساحات العربية.. إلخ. كثير من الموجودين حاليا في مواقع التواصل الاجتماعي، كان لهم حضور وتجارب قوية في هذا المنتدى أو ذاك. معظم هذه المنتديات توقفت، والباقي منها تراجع تأثيره كثيرا.

أستحضر الصورة الآن، وأنا أقارنها بصور شباب وفتيات اليوم. الأمر نفسه، لكن تغيرت طريقة الرفض.

الذين كان أقاربهم يرفعون صور رموز القاعدة، صار بعضهم يرفع شعار رابعة وسواها، الذين كانوا يرفعون صورا للمشاركين الشيعة في تفجيرات السعودية ـ مثلا ـ أضافوا صور حسن نصر الله وآخرين. الذين كانوا يضعون صورة جيفارا صاروا يستحضرون صور سنودن وسواه من رموز الرفض في الشرق والغرب.

وهناك فئة تصالحت مع المعاصرة وصارت ترى في صور نجوم التقنيات والتطبيقات الذكية الحديثة.. إلخ قدوة تستحق الحضور والترميز.

هذه دورة حياة. ووسط كل هذا كان ولا يزال هناك لاعبون يمارسون التهييج والتحريض واختطاف العقول. هؤلاء هم الذين استهدفتهم القرارات الملكية التي صدرت أمس الأول. الهدف تحصين المجتمع وأبنائه من الجماعات التي تريد مزيدا من الحطب من أجل خوض حروب بالنيابة عن الآخرين. الخليج العربي حاليا تحت ضغوط تهديدات وتحديات واستحقاقات كبيرة. وهذه التهديدات تتوكأ على أذرعة عربية ودولية عدة.

من المهم أن يعي شبابنا أن هذا الحماس الذي يبددون جهدهم فيه، لا طائل منه. ولعلهم يسألون أشقاءهم وأقاربهم الأكبر سنا.

أنتم قد تكونون وقود حروب آخرين. فانتبهوا لأنفسكم ومستقبلكم.

بين داعش وجبهة النصرة وحزب الله ـ في سورية مثلا ـ .. إلخ يموت سعوديون وعرب. مثل هؤلاء كانوا يموتون بين طوائف الأفغان عقب دحر روسيا، كانت هناك فيالق وجماعات تقاتل بعضها في حرب لا معنى لها. كنا في حاجة ماسة إلى قرار رادع، يمنع تكرار أخطاء الماضي.


ليست هناك تعليقات: