الأربعاء، 29 أبريل 2015

أغلفة العنصرية

العالم ينوء بالعنصرية. لا يمكن استثناء أي مجتمع. النظرة إلى الآخر بانتقاص بسبب اللون أو الجنس أو الخلفية العرقية أو الثقافية أو الدينية مسألة أفضت إلى سلسلة من الحروب والفتن. 

في القرن الماضي، كان المشهد السائد حروبا بشعة في إفريقيا وأوروبا بسبب العنصرية المرتبطة بالدين أو العرق. 

البوسنة والهرسك شاهد حي، على الجور الذي تعرضوا له، هذا الجور يزعم مرتكبوه أنه جاء ردا على إرث تاريخي أليم صنعه العثمانيون عندما سيطروا على البلقان. كانت محاكمات مجرمي الحرب في البوسنة عنوانا مهما، حاول العالم من خلاله أن يرمم ضميره المثقوب. وبالصدفة فقد استعادت ذاكرة العالم خلال الأيام الماضية عملية الإفناء الممنهج لنحو مليون ونصف المليون من الأرمن، تلك جريمة ارتكبتها تركيا، وهي لا تزال ترفض الاعتذار عنها. 

ونحن في عالمنا العربي نشهد أكبر جريمة عنصرية في العصر الحديث، تمثلت في إقصاء الشعب الفلسطيني عن وطنه، وتحويله إلى مجرد هامش يرى أرضه يحتلها غرباء قادمون من كل مكان، بينما هو لا يكاد يتمتع بالحدود الدنيا للمواطنة كفلسطيني أصبح بلا دولة.

نفس الإنسان التي تتوسل بالعنصرية من أجل تكريس الاعتداد بالذات، هذه النفس تتكئ على مظهر من مظاهر الضعف والهشاشة. 

ومن الضروري الاعتراف بأنه يندر أن تجد إنسانا يتسامى عن هذا الفعل العنصري، حتى وإن قال سوى ذلك. 

لكن الضابط المهم لسلوكيتنا كبشر هو الشرع والقانون. لك أن تحب وأن تكره ما تشاء ومن تشاء، ولكن من المهم ألا تفضي هذه المحبة والكراهية إلى سلوكيات شائنة تستفز الرأي العام.


السبت، 25 أبريل 2015

الألم والتفاصيل الصغيرة

أمام الطبيب؛ لا تملك سوى الاستسلام والإذعان.

عندما تتألم، تهرول، تجلس منتظراً، تكابد القلق. يتأخر الطبيب عن موعده. يسبقك أحدهم؛ لأنه يملك واسطة أو يحمل توصية. تدلف بعدها، تتجاهل برضا هذا التأخير. يطرح عليك سؤالا عن شكواك، تاريخ الألم.

تحكي، يسرح قليلا، ولكنك تمضي في إجابتك. تستلقي على السرير. ألترا ساوند، لا بد منها، قبل التشخيص النهائي. لا مهدئات، قبل أن نرى النتيجة، أخشى أن أعطيك مسكنا للألم فتكتفي به. 

تنتقل إلى الأشعة. تنتظر ساعة وأخرى. المواعيد كثيرة. يقولون: انتظر؛ قد يتأخر أحدهم عن موعده. بعد سويعات تنتقل إلى غرفة الأشعة. 

تهمس لك الإخصائية: الفحص يستغرق نصف ساعة. تخلص من كل الأجهزة المعدنية. تضعك في صندوق يشبه التابوت. تضع لك سماعة على أذنيك، كي تخفف إزعاج الأصوات التي تدهمك. الضوء الأبيض الخافت، والتكييف الهادئ يخفف من شعورك بالوحدة. هذا هو الخط الفاصل بين تابوت صامت، وتابوت يقلب في جسدك، يسبر أغوار الألم. تدهمك الأسئلة الصعبة عن الموت والحياة.

تتداعى لك صور الذين غابوا. حكاياتهم. ضحكاتهم. أرقام هواتفهم التي تحفظها السحابة الإلكترونية، وتعيدها إليك مع كل تحديث تجريه. الحذف لا يجدي. تقفز رسائلهم عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. 

تمر نصف الساعة، بعد أن تستعرض مسيرة عمر وقصة حياة. تخرج من هذه التجربة، تمضي مبتعدا، تتهيأ لموعد آخر مع الطبيب الذي اعتاد على الحياد تجاه آلام الناس. 

يهاتفك الأصدقاء في الجريدة: المقالة لم تصل بعد. تتهيأ للكتابة. يتحدث معك صديق عبر الهاتف؛ يسألك: أين أنت؟! تبدأ في سرد قصتك، يقاطعك مرة أخرى: ما هي أخبارك؟ تبتسم. تتذكر أن الناس يريدون كلاماً عابراً وسريعاً، دون أي تفاصيل. 

التفاصيل لا يأبه بها سواك.


الخميس، 23 أبريل 2015

مبادرة نسرين



تسلقت الدكتورة نسرين الحقيل قبل بضعة أسابيع قمة إفرست؛ في رحلة هدفها التعريف بجمعية دعم إضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه "افتا".

وتقول طبيبة الأسنان التي تحدثت لصحيفة "الرياض" أمس إنها قررت دعم الجمعية السعودية وتسليط الضوء عليها ونشر ثقافة التعامل مع المصابين بفرط الحركة، من خلال هذه المغامرة. 


من المؤكد أن لفت الانتباه إلى المبادرات الإنسانية والاجتماعية من الأمور المهمة. وأظن أن بادرة الدكتورة نسرين تستحق التنويه.

إذ بعيدا عن أي إسقاطات قد يقرأها البعض؛ لكن هذا الفعل يعكس صورة من صور بناء الوعي المجتمعي تجاه قضايا مهمة.

ومن المؤسف أن حماس مجتمعنا لهذه القضايا لا يزال محدودا. والجهود التي تبذلها الجمعيات ذات الاهتمامات الإنسانية والصحية تستحق التقدير. 

وأستحضر هنا بشكل سريع أسماء بعض هذه الجمعيات مثل جمعية التوحد، وجمعية نقاء، وجمعية أيتام، وجمعية رعاية الأطفال المعوقين.. إلى آخره.

وأنا عندما أتحدث عن اهتمام المجتمع؛ أجد أن من اللافت أن المنخرطين في هذه الجمعيات تطوعا وعملا لا يزال محدودا. 

وهذا أمر تشارك في تحمل مسؤوليته الجمعيات أيضا؛ إذ إن خطابها التقليدي، وصوتها الخافت، ناتج عن الارتهان إلى التقليدية التي تجعل صوتها يعلو في المناسبات فقط، بينما يتوارى هذا الصوت في أوقات أخرى.

من هنا فإن المبادرات الملهمة، مثل ذلك التحدي الذي خاضته الدكتورة نسرين، يقدم نموذجا مهما في كيفية تسويق فكرة العمل التطوعي ودعمه.



الأحد، 19 أبريل 2015

صناعة الهدوء


تعصف الأشياء الصغيرة من حولك فتتسلل إليك كل السلبيات التي تصل عبر "واتساب" و"تويتر" و"فيسبوك"... إلخ. لكنها تتضخم في داخلك، إن استسلمت لها. 

لكنك لست سوى جزء هامشي ضئيل من العالم. لا تملك حلولا ناجعة. وليس صحيحا أن عليك الاهتمام بما يحدث في كل مكان، وأن يكون لك رأي فيه، فبعض الآراء ليست شأنك، فلماذا تشغل نفسك بها أصلا؟

الهدوء في الداخل مهمة تبدو صعبة في بعض الأحيان، لكنها ليست مستحيلة. 

صعوبة هذا الأمر أن البعض يتفنن في ضخ وتبني الصور والأخبار السلبية، وهو يتفنن أيضا في إفساد الأخبار الإيجابية، إذ إنه يؤمن أن نشر السلبية مهمة حتمية بالنسبة له في الحياة.

مثل هؤلاء، من الجيد أن يسعى المرء إلى عزل نفسه عنهم، بحيث إنه يراهم وكأنه لا يراهم، وليس القصد حتما الاحتقار، ولكن الهدف النأي عما يشيعونه من سلبية وسواد.

إن أغالب العداء الذي يستحكم بين أفراد مجتمعاتنا، أساسه خلافات على أمور لا تعنينا ولا تمسنا بشكل مباشر. 

هناك من يريدك أن تكون نسخة من سفاحي "داعش" أو المليشيات الشيعية، وأن تؤيد وجهة نظره التي تنحاز إلى هذا الطيف أو ذاك. وقد يقرر ألا يحبك لأنك لا تريد أن تكون لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء. مثل هذا الشخص، تجاهله والبعد عن التقاطع معه لا ضرر منه. بل إن هذا من الأمور التي تزيد من إيجابيتك. 

لقد كانت أكبر جنايات التطرف، أن البعض صار يتحسر ويتألم لأمور تقع في أقصى بقاع الأرض، ولكنه يتعامل بمنتهى السلبية مع شؤون أكثر التصاقا به.

لا يمكن أن تستسيغ أن يمارس شاب العقوق تجاه أسرته ووطنه، ثم تراه يردد كلمات كبيرة وفخمة، سرعان ما تناقضها تصرفاته وواقعه. 

باختصار: لا تكن جزءا من إنسان فاشل في حياته الحقيقية، قرر أن يكون مصدر فشل وتثبيط لمجتمع بأكمله.


إنقاذ اليمن العربي


كانت المبادرة الخليجية لترتيب أوضاع اليمن، خيارا يسعى إلى الحفاظ على وحدة اليمن ومقدراته. لكن فئة من فئات المجتمع هناك، بإيعاز ودعم من إيران، أرادت أن تستأثر بكل شيء. وهكذا بدأ ضرر الحوثيين الذين ارتضوا أن يكونوا وكلاء لإيران يتزايد، وأصبح المشهد اليمني وإيقاعاته، بالهيمنة الحوثية عليه، يهدد بالقضاء على الدولة اليمنية الوليدة، كما أنه ينسف كل ما توصل إليه المتحاورون اليمنيون، وفقا للمبادرة الخليجية. 

أصبحت إيران تتبجح بأن لها وجودا وتأثيرا في عواصم عربية منها صنعاء. لم يعد الضرر على اليمن داخليا، بل صار يهدد الجيران والإقليم. هذا التآكل الذي عمل الوكيل الإيراني على إنجازه، وكاد ينجح فيه، تم تداركه بعد أن توالت الاستغاثات والمناشدات من الحكومة اليمنية الشرعية، وكان آخرها دعوة الرئيس اليمني الشرعي للسعودية ودول الخليج للمساعدة، خاصة أن قوى الحوثيين ومن ورائهم الرئيس السابق والقوى التي لا تريد خيرا لليمن، كانت تقف على أعتاب عدن، ملاذ الرئيس الشرعي بعد احتلال صنعاء من الحوثيين. 

خلاصة ما سبق، كانت اليمن بحكومتها الشرعية، والعالم العربي والمجتمع الدولي، أمام خيارات محدودة: إما السكوت حتى تكتمل الهيمنة الإيرانية على المنطقة، وإما السعي إلى مساعدة اليمن على النهوض من جديد.

ومن هنا، كان القرار الذي اتخذته السعودية ودول الخليج ومصر وبقية حلفائها لإطلاق عملية «عاصفة الحزم». إن هذه العملية التي استهدفت الفئة الباغية على أشقائها في الوطن، لم تأت إلا بعد أن رفضت هذه الفئة كل الحلول، بما في ذلك طاولة الحوار بين مختلف الأطياف في الرياض أو الدوحة. ولم تنجح مبادرات الأشقاء، كما أن مبعوث الأمم المتحدة لم يحقق أي نجاح في مهمته، بل إن البعض اعتبر أن وجوده فاقم الأوضاع وأسهم في تعقيدها. إن المتابع للمشهد اليمني يدرك أن القلق الذي تسبب فيه الحوثيون في اليمن، قد انعكس على نخب كانت تنظر بتوجس إلى المبادرة الخليجية، وهي الآن أصبحت من أكثر المتحمسين لها؛ لأنهم أدركوا أنها تمثل أفضل الممكن.

ولا شك أن خاتمة هذا المشهد، كما يأمل كل المحبين، ستكون حوارا متكافئا بين كل الأطياف في اليمن، تحت مظلة خليجية وعربية، تسهم في إعادة اليمن العربي إلى أشقائه، مستقلا شامخا بعيدا عن الهيمنة الصفوية التي لا تريد خيرا للعرب.

انحسار الاستقواء الفارسي


طلبت الحكومة الشرعية في اليمن من أشقائها في السعودية وبقية دول الخليج (العربي) ودول التحالف، مساندتها ضد الاستقواء الفارسي، الذي يريد فرض طيف مذهبي بشكل قسري. 

كانت انطلاقة "عاصفة الحزم"، يقظة عربية أصيلة، حاول الشعوبيون استهدافها، لكنها كانت قوية بعون الله؛ ثم بعزم وتعاضد العرب.

لقد بدأ العالم يتلمس انحسار هذا الاستقواء، وبدأت ذيول الهزيمة والخيبة تلاحق معسكر الخسران، الذي صال وجال، لكن مخالب "عاصفة الحزم" النبيلة، لم تترك للمعسكر الشعوبي الفارسي أي سبيل للفكاك، من كماشة هذا التحالف العربي الأصيل.

عندما نقول هذا الكلام، لا نسلك طرحا عنصريا بغيضا، فإيران وأشياعها في اليمن كانت تمعن في تغيير الهوية هناك بمنتهى الشراسة والصلف. 

خيار "عاصفة الحزم"، للضرب بيد من حديد، على هذه المحاولات، كان ولا يزال يهدف إلى تحقيق الخلاص لليمن من أقطاب المؤامرة، وإشاعة الأمن والسلام في هذا البلد، الذي أراد الشعوبيون الفرس تقويضه هناك. 

كادت المؤامرة تكتمل، لولا تداعي الأشقاء بقيادة المملكة العربية السعودية وبقية أعضاء التحالف، لتدارك هذا المسلك الإيراني الأهوج.

كانت "عاصفة الحزم" صولة حق ضد باطل طال أمده. إذ عملت إيران على مدى سنوات، على تقوية حلفائها هناك ودعمهم بالأسلحة، وفكر تصدير الثورة، والتغيير الثقافي من خلال المنح الدراسية في قم، وإشاعة الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

من هنا يمكن فهم هذا النعيق، الذي يتردد صداه، مع بدء انحسار هذا الاستقواء، وانكشاف أبعاد هذه المؤامرة، التي كان يراد لها أن تكون موطئ قدم صوب مساحات عربية أخرى، بدأت في لبنان، مرورا بالعراق، ثم سورية .. إلى آخره. 

إن بعض الإيرانيين العرب، ومن ورائهم الفرس، يجدون في هذه الانتصارات علامة تشير إلى بدء انحسار هذا الاستقواء. ولهذا هم يواصلون الصراخ، لكن قافلة "عاصفة الحزم" تسير، مدعومة بالقوة والنوايا والأفعال النبيلة، لمساندة اليمن وشعبه وحكومته الشرعية. 

إن قوة الخليج العربي وأمنه من أمن اليمن، وأي طرح خلاف ذلك هو مجرد صدى لحلم صفوي بغيض؛ بدأ يتأرجح ويتداعى. ولا شك أن ما بعد "عاصفة الحزم"، سيكون أمام دول الخليج العربي، وكل الطيف العالمي المساند والمدعوم بالإرادة الدولية، مهمة ثقيلة، تتمثل في إعادة تأهيل اليمن. المهمة النبيلة تبدو صعبة، ولكنها مدعومة بإرادة وعزيمة من قيادات وشعوب دول مجلس التعاون في الخليج العربي.

حفظ الله أوطاننا العربية من كيد الكائدين.