السبت، 12 مارس 2011

يوم في قلب مظاهرة الغضب في الرياض




إعلامي أجنبي يدون ملاحظاته في شارع العليا العام
أطلقو عليها في النت مسميات عدة، وكانو يريدونها جمعة مختلفة على ما يبدو. كانت مختلفة فعلا. لكنها بالتأكيد لم توافق هوى مناضلي الإنترنت.  جمعة الـ 11 مارس في الرياض تلمح أثرها عند خروجك من بوابة منزلك تتهيأ لصلاة الجمعة. الوجود الأمني المحسوس. رجال الأمن يقفون عند الإشارات ومداخل الشوارع.
لا يوجد شيء غير عادي. رؤيتهم تشيع مشاعر مختلفة. طمأنينة. قلق مم لا ندري ماهو. وشعور بالرغبة في مد جسر للحوار معهم. ترفع يدك مسلما أحيانا، فترتفع الأيدي مبتسمة.
 لم يكن هناك أي مظهر للتوتر. هم مبتسمون. يثرثرون مع بعضهم. ربما حتى هم يتساءلون في دواخلهم: هل كان ثمة مبرر لخروجنا بهذا القدر؟ الإجابة تتضح من منظر السيارات العابرة، باتجاه المساجد.
 قبلها كانت المدينة وادعة، أهلها بين النوم وصحو الصباح المختلط بالرغبة في حد أدنى من الحركة، تناول القهوة، قليل من الفطور، أحاديث عائلية عادية، مماحكات لإيقاظ الأبناء أو تركهم ينامون. أفعال عادية، تحدث في كل بيت، وفي كل مدينة.
شارع العليا العام، هذا الشارع الذي يعج بالناس. هذا المكان الذي تتهادى فيه السيارات ذهابا وإيابا، في أعقاب المباريات، وفي الأعياد والمناسبات الأخرى، أكاد أقول كل يوم. مكان يضج بالحياة. لا ينافسه في ذلك سوى شوارع أخرى مثل التحلية والثلاثين. هنا حيث برج المملكة وبرج الفيصلية. هذه محطة أي قادم للرياض. غالبا ما تتجه عينه صوب الفيصلية والمملكة، يرنو إليهما ويضعهما على جدول زياراته إن كان وقته يسمح بذلك.
 لكن الرياض اليوم شيء آخر. إنها رياض غامضة، لا تستطيع أن تتعرف بقدر واضح عن الصورة التي يكتنفها هذا الصوت السيبري الغامض. لا تكاد تدرك أي أثر تركه هذا النضال النتي الذي أفرزته محاكاة التجارب العربية الأخرى. هي محاكاة أكثر منها فعل ذاتي. هذا الضخ اليومي للثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن...إلخ.
 أفرز في الخليج شكلا آخر من أشكال المحاكاة، خرج في الكويت طلاب الحسم من البدون للمطابة بتغيير ظروفهم المعيشية. لم يسلم الأمر من تسييس واستغلال من بعض أقطاب مجلس الأمة. في البحرين كانت المطالبات أعلى. في سلطنة عمان أخذ السلطان قابوس روح المبادرة، فأسقط أكثر من وزير من أجل الحد من تأثير التظاهرات. الرياض التي ترقبت الـ 11 مارس، بدت في ساعاتها المختلفة، مدينة عادية، هادئة، لا شيء سوى الصمت، الترقب، والوجود الأمني الذي جاء كإجراء وقائي على هامش المشهد العادي جدا.
عبور من شارع العليا العام، باتجاه مبنى المملكة ومبنى الفيصلية، وصولا إلى أماكن أبعد. شمالا وجنوبا, شرقا وغربا. لا شيء سوى سيارات الأمن. مواطنون يخرجون لقضاء حوائجهم. عدد لا بأس به من الناس آثر البقاء. أصبح اليوم عائليا بجدارة. حتى الشباب الذين كان يحق لهم التمرد على هذا الأمر قرر عدد كبير منهم البقاء. لاذو بالفيس بوك وتويتر وبقية المواقع الإجتماعية. حتى هذين الموقعين، كانا فاعلين. البعض توقع الأسوأ. وردد شائعات بإغلاقهما. كما ترددت شائعة بإيقاف خدمة البلاك بيري. هاهي الصور تتوالى. لم يتم إيقاف أي من المواقع أو الخدمات الإجتماعية. لم يكن هناك أي مظهر من مظاهر الغضب. عودة من الجولة النهارية. في العصر، جولة ثانية. نفس المشهد. نفس الصور. لا جديد.
 في المساء أيضا لم يكن ثمة شيء غير معتاد، عدا الوجود الأمني الذي يحفزك على أن تكتفي من التجول، خاصة بعد أن خرج كل الناس مساء، في أعقاب زخات المطر والبرد. بدا المشهد مبهجا. الكل خرج للاحتفاء بالمطر. تزايد الزحام مساء.
كانت مظاهرة فرح لا غضب. كانت الرياض كالعادة تتيه بكلمات بدر بن عبد المحسن: ما أرقك يا الرياض. فتنضوي تحت بشت كل رجل وتحت عباءة كل أنثى، تعكس بشكل أو بآخر صورة من صور الحب والجمال. إنها الرياض. حتى في محاكاتها للتظاهرات العربية، جاءت تظاهرتها تعكس سلوكها الخاص. لم تكن المسألة أكثر من هواجس نتية، تضخمت في الإنترنت، وتوارت سريعا. وسوف تبقى جمعة الغضب في ذاكرة أهل الرياض، باعتبارها جمعة المطر والبرد والمحبة والإيجابية والإلتفاف من أجل الوطن.
صبيحة السبت، غابت كل المظاهر الأمنية، بدت الشوارع عادية. في زمن قادم، قد يتذكر الناس 11 سبتمبر 2011 باعتبارها كانت جمعة استثنائية، ففي كثير من المنازل، الأسرة التفت بكاملها حول طاولة واحدة وهذا شيء نادر. هذه هي النكتة التي تم تداولها على تويتر وبلاك بيري. 

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

كتابتك رائعة تصور المنظر بكمره عالية الدقة لم تنسى التفاصيل واجمل شىء صورتك وانت تكتبها ساتابع مدوناتك

Unknown يقول...

أشكرك على مرورك وعلى ثنائك. الصورة المرفقة تمثل أحد الصحفيين الأجانب وهو يكتب ملاحظاته إلى جوار إحدى الدوريات الأمنية التي كانت موجودة في الرياض يوم الجمعة.