الخميس، 24 مارس 2011

هل توطين الوظائف فعل عنصري؟


يبدو أن السؤال الذي أطرحه هنا، له ثقل وإيقاع ينطوي على مناصرة ومعارضة من جانبين. وفي كل الأحوال، الحدس الإنساني والحس الوطني يحرك كثيرين للتهيب من الأمر أو التركيز عليه.
هناك واقع يتمثل في بطالة ضاغطة، تعيشها معظم البلدان العربية دون استثناء. هذا الواقع يسهم في إثراء تفاصيل الصورة التي تتسم بالقلق من التأثيرات السلبية لقوافل العاطلين عن العمل.
المسألة هنا تأخذ بعدا وطنيا وسياسيا، يجعل التفريط في الأمر، أو التهوين منه، يمثل مأزقا يدفع إلى نتائج وخيمة.
في الجانب الآخر، يقف أكثر من طرف، محذرين من الإفراط في الحماس، لأن الأمر ينطوي على فعل طارد للمستثمر الذي يريد عمالة رخيصة. وصاحب هذا الرأي يزعم أن العمالة الوطنية ـ في الخليج على الأقل ـ كلفتها أعلى من مثيلاتها الوافدة من الدول العربية أو بقية دول العالم.
وسط هذا الحوار، الذي يترقب قرارات التوطين، ويحاول تارة الحماس لها، وتارة الإلتفاف عليها، يأتي صوت آخر قد يكون خافتا نوعا ما.
هذا الصوت يتمثل في العاملين العرب الذين يعيشون في الخليج منذ عشرات السنين، ولم يتمكنوا من الحصول على حق المواطنة. وهم يجدون أن التوطين لا يراعي في تفاصيله مسألة أنهم عاشوا في المجتمعات الخليجية كل هذه السنوات، وشارك آباؤهم في صياغة وجه من وجوه التنمية الإنسانية في هذه البلدان.
أنا هنا سأتحدث عن الفلسطينيين كمثال.
الفلسطينيون يعشيون وضعا مختلفا في كل العالم العربي. إذ بموجب قرارات جامعة الدول العربية، ممنوع تجنيس الفلسطينيين. القرار عندما صدر في منتصف القرن الماضي، كان هدفه نبيلا للغاية، كان يريد أن يحفظ الفلسطينيين من الذوبان. لكن السنين أثبتت أن القرار كان جائرا على الإنسان.
 وقد سافر فلسطينون كثيرون إلى أوروبا وأمريكا واكتسبوا جنسيات هذه الدول، لأن الدول العربية كرست من خلال هذا القرار مبدأ إهانتهم، ولعل مخيمات الفلسطينيين في أكثر من بلد عربي خير شاهد على ذلك.
صحيح أنه لا يوجد في دول الخليج مخيمات. بل يوجد فلسطينيون غالبا ما يحصلون على استثناءات حتى في التوظيف. لكن إيقاع التوطين أخرجهم من أعمالهم الحكومية، ونقلهم إلى القطاع الخاص، ولم تتوقف مآسيهم وقلقهم ولم ينتهي شعورهم بالتعب بسبب وثائق السفر التي تفتح لهم بابا وتغلق في وجههم عشرة أبواب.
وحال شعوب عربية أخرى، لا تختلف كثيرا عن حال الفلسطينيين، فقد كان الفقر والإضطهاد، طاردا لهم من بلدانهم، فاختاروا الغربة العربية باعتبار أنها أخف ضغطا، لكن ظروف البطالة وضعتهم على خط الريح الذي طالهم أواره.
من المؤكد أن التوطين بكل مصطلحاته : "سعودة" ، "أمرتة" ، "تكويت" ، "بحرنة"...إلخ. لا يمثل في منطلقاته أي فعل عنصري.
 لكن إيقاع الكلمات التي يتم استخدامها في محاولة القطاع الخاص تحديدا بالمسألة، تقع أحيانا في فخ الأوصاف العنصرية، التي لا يليق أن يتم استخدامها في أي مجتمع متحضر.
هناك أناس يرون أن العرب، ينبغي أن يكونو آخر من يتم الاستغناء عنهم من أجل إحلال المواطنين في دول الخليج. وأصحاب هذا الرأي يعززون طرحهم بأنه لا خوف على التركيبة السكانية والنسيج الإجتماعي من الوجود العربي. والتهديد الحقيقي هو من الثقافات الأبعد، إذ أن تكاثرها في المجتمعات الخليجية هو العامل الضاغط الذي يلقي بظلاله السوداء على عدد من مجتمعات المنطقة.
ويبقى السؤال : كيف يحدث التوطين دون أن يمس ثوابت الإنسان؟ كيف نحافظ على أشقائنا العرب بيننا ونحفظ الود معهم؟ وقبل ذلك: كيف نقنع القطاع الخاص بتحقيق نوع من التوازن بين التوطين واستقطاب الخبرات الخارجية.
ينبغي بداية أن نعترف أن قطاعنا الخاص يضم قيادات لا تؤمن بالتوطين. وهذه هي نفسها القيادات التي وجدت حرجا شديدا في مجاراة الأوامر الملكية بتقديم راتبين للسعوديين، أو رفع الحد الأدنى للرواتب.
ذلك أن الفلسفة التي يعتنقونها ترى أن دورة العمل الإنتاجي لها وجهة واحدة فقط لتحقيق الربح. هذه الوجهة يغيب فيها عامل المكافأة المستحقة للعامل المخلص. خاصة أن عملية التوظيف لتحقيق مسألة التوطين تراعي أحيانا أن توزع مثل هذه الوظائف على شكل شرهات لشقيق هذا المسؤول أو قريبه.
هذه المعضلة هي التي تجعل بوصلة التوطين في السعودية والخليج تقفز فوق الإنسان بصفته إنسانا. هي نوع من الميكيافلية التي لا تريد أن تمارس دورا وطنيا، رغم أنها لا تستنكف أن تزعم الوطنية وترددها من خلال إعلان هنا أو تبرع هناك. شغل علاقات عامة، وليس شغلا وطنيا حقيقيا.
هنا يبدو صاحب القرار مضطرا لمسك العصا ورفعها، بعد أن فشلت الجزرة في جذب انتباههم. هذا ما سيحدث قريبا جدا.
 الخوف أن تؤثر الإنتقائية على بعض الشرائح التي أشرنا إليها.
العرب يستحقون أن ننحاز إليهم حتى ونحن نتهيأ لاختيار قراراتنا الأصعب بتقليص العمالة الوافدة. 

هناك تعليق واحد:

محمد أبوعبده يقول...

أشكر لك يراعك المنصف يا أستاذ خالد. أنا كفلسطيني شعرت أنك فلسطيني تعاني ما عانيناه. كل كلمة قلتها هي كلمة حق وأوافقك عليها. أشد على يدك وأهنئك على هذا الطرح وهذه الشجاعة لخوض مثل هذه المواضيع الحساسة.
محمد أبوعبده