الاثنين، 8 نوفمبر 2010

أحقيتنا أن نكون كما نريد




أن نكون كما نريد، دون استلاب، ولا قسر، ولا فرض يستهدف كسر الأنوف. هذه مسألة تسبق أي شيء آخر. حق المرء في الاختيار، حق المجتمع، وحق الأمة... هي سلسلة متصلة تتقاطع مع الطروحات الممتزجة بصلف الأمة الغالبة التي تطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير.
لنا كأمة ذات تراث حضاري أن نقول نعم لما نراه موافقا لنا، وأن نقول لا لما نجزم أنه يخلط الأوراق ويجعل القاتل والضحية صنو ين، يفرض أن يندغما وينسجما ويقبلا بالأمر الواقع. هنا تتحول إسرائيل في عصرها المهيمن، إلى حارس من حراس القيم والمبادئ، في الوقت الذي تضع فيه لائحة اغتيالات طويلة تشمل كل من يقول لا للهيمنة التي تتسلل تحت الجلد والعظم. إنه قانونها الخاص. وهو قانون مرن، ينفي عنها صفة الإرهاب، فيما يتم توزيعه على الآخرين بالمجان!
إن الإشكالية التي تثيرها القضايا الآنية المتلاحقة، لا يمكن تلخيصها من خلال مناقشة لمشروع، إذ هي تستهدف أن يكون هناك انقياد بالطاعة، من الحكومات والشعوب، دون أن يكون لثقافة الزمان والمكان أي دور. بل دون أن يكون للعقل أحيانا أي فعل. المطلوب فقط هو الالتزام بالأجندة المطروحة بشكل طوعي، مع التلويح بتطبيقها بشكل آخر إن لزم الأمر.
هذه المسألة، جعلت العقل العربي يشهد نوعا من الانقسام، البعض اعتلى الموجة باختياره باعتباره حرا، والبعض قرر أن يركب الموجة باعتباره يريد أن يبدو متحررا، فيما بقيت فئة ترقب المشهد، تتأمله، تقرأه، وتحاول أن تخرج من خلاله بصورة محايدة. وهناك فئة أعلنت الرفض دون أي تفكير.
موقف المثقف من الأزمة، يعكس كيف أن سياقنا الذي تشوه كثيرا، أفضى ببعض المثقفين إلى اعتمار قبعة الغالب، والمزايدة في السوبر ماركت الكبير الذي لا يتم من خلاله استعراض كل البضائع، بقدر ما يجري تسويق ما يتوافق مع موجة تتخذ زاوية عوراء في التفاعل مع الكرة الأرضية وإشكلاتها، فتبتسرها وتضغطها حتى تتحول إلى رقعة صغيرة يجري العمل على تفصيلها وفق مقاييس موحدة.
ينبغي هنا التوضيح، أن القناعات هي ملك لكل إنسان، لكن ثمة خيط دقيق يفصل بين هذه القناعات وتقاطعها مع مسائل ترتبط بالأرض التي يسكن عليها والسياق الثقافي والاجتماعي السائد...الخ. وأي محاولة لخرق هذه النماذج، سعيا للإلغاء والمصادرة، يرقى أحيانا إلى حد الخيانة. إذ أن هناك فارق بين نقد الذات بهدف الإصلاح، ونحر الذات من أجل أن تسود وتستحوذ فكرة وافدة، ربما لم يتم تهذيبها وتكييفها لتصبح صالحة للاستهلاك المحلي على مستوى المنطقة.
لكن من ذا الذي يجروء على الزعم حتى أن النسق المطروح للتغيير يمكنه أن يصل إلى نهاية واضحة وحقيقية وملموسة؟
إن أجندة تغييرالشرق الأوسط ، تستهدف أن يكون الإنسان، أليفا وحليفا، وأن يكون مرنا وقابلا لاستيعاب سلسلة من المسلمات ـ المفترضة ـ التي لا تدخل في منظومة المتعارف عليه. المسألة لا تكتفي بذلك بل تتطلب تأهيل من يخرج عن النص، وتهيئته حتى يكون إنسانا لائقا بالحضارة الجديدة!
هذه المخاوف تتعزز من خلال مراقبة الأصوات الصادرة من الضفة الأخرى. إذ أن هذه الأصوات لا تكتفي بما تفرضه الأطر العامة المتعارف عليها عبر المنظمات والمؤسسات الدولية. بل تدخل إلى المكون الثقافي والتاريخي. وتفترض أن الإشكال الأساسي فيهما، في محاولة لعزل عناصر أخرى أكثر وضوحا، مثل حالة الفقر التي خلفها الاستعمار، والأوضاع المتفجرة التي أفرزتها عملية رسم الحدود، والعنصر الصهيوني الذي تم زرعه وسط النسيج المكون للمجتمعات الشرق أوسطية...إلى آخر قائمة العذابات التي يدفع الناس ثمنها دون أي ذنب. بعد كل هذا، يتم القفز على الفصول، ويتحول التغيير إلى استهداف وتحريض.
إن بناء المجتمع المدني، لا يفترض أبدا أن تتحول الممارسات الثقافية وحتى النسق الاجتماعي إلى مسخ. ليس من الضروري أن ننساق وراء دعوات تكسير القواعد التي تمثل مصدر ثراء لنا. حتى إن لم يجد فيها الآخر ما يثير شهيته كي يدرجها ضمن المكتسبات الحضارية للمجتمع المدني. إن قابلية بعض المثقفين لدينا على أخذ كل ما يأتي من الضفة الأخرى بتسليم، سوف يجعلهم يصلون ذات حين، إلى مأزق خطير خاصة إذا ما تم تطوير آلية المطالبات الصهيونية ـ على سبيل المثال ـ التي تستهدف تنقية القرآن الكريم من كل إشارة تكشف بعض الممارسات غير السوية لأسلافهم. هنا سيجد هذا المثقف نفسه أمام مأزق خطير. إذ أنه في المرات السابقة، كان كمن يخلع بعض ملابسه، لكنه بعد أن يتخلص من كل قطعة، سيجد نفسه يتهيأ لمرارة سلخ الجلد وما تحته، ولن يستطيع.



مقال قديم نشر لي في صفحة الرأي في جريدة الاقتصادية في 29/3/2004

ليست هناك تعليقات: